أمة على أرض مستعارة: قصة الولايات المتحدة بين ماضي السكان الأصليين وتحديات اليوم.
بقلم مني عيد
تعتبر الانتخابات الأمريكية حدثًا عالميًا يشد انتباه الملايين، ويعيد الأضواء على تاريخ الولايات المتحدة، الذي يحمل في طياته قصصًا معقدة من الاستعمار والتطور، وما يرتبط بها من قضايا تخص إرث الأرض، والسلطة، والثروة.
بدأت قصة الولايات المتحدة مع قدوم المستوطنين الأوروبيين إلى القارة الأمريكية في أوائل القرن السابع عشر. ومع تزايد الاستيطان الأوروبي، خاصة البريطاني، في أراضي ما يُعرف بالسكان الأصليين (الهنود الحمر)، تعرّض هؤلاء السكان لأشكال متعددة من الإبادة الجماعية والتهميش. وكانت الثروات الطبيعية، مثل الذهب والبترول، من أهم الموارد التي سعت القوى الاستعمارية للسيطرة عليها، حيث شهدت تلك الفترة استنزافًا للموارد ونهبًا للأراضي التي عاش عليها السكان الأصليون منذ آلاف السنين.
دعم الاستعمار البريطاني ومصالح رؤوس الأموال الأوروبية نمو الاقتصاد الأمريكي، حيث ساهمت هذه الاستثمارات في دفع عجلة التطور الصناعي والزراعي، مما كان حجر الزاوية في بناء الولايات المتحدة كقوة عالمية في نهاية المطاف. واستمرت الدولة في صعودها، مدعومة بالابتكارات التكنولوجية، حتى أصبحت من أقوى دول العالم بحلول القرن العشرين.
لم تكتفِ الولايات المتحدة ببناء اقتصاد قوي، بل سعت إلى تعزيز نفوذها من خلال تطوير منظومة عسكرية متقدمة، بلغت ذروتها باستخدام السلاح النووي خلال الحرب العالمية الثانية، حين ألقت قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان عام 1945. كان ذلك الحدث دلالة على قدرة الولايات المتحدة على التحول إلى قوة عسكرية مرعبة، ساعية لفرض هيمنتها العالمية.
ومع كل إنجازات الولايات المتحدة الحديثة، تظل المقارنة مع حضارات مثل السومريين والمصريين القدماء والصينيين والفينيقيين تذكيرًا بأن الحضارات ليست مجرد تفوق اقتصادي أو عسكري. فالحضارات القديمة قدّمت إرثًا ثقافيًا عظيمًا، ساهم في بناء الإنسانية على مدى آلاف السنين. وبينما تبلغ الولايات المتحدة من العمر نحو 323 عامًا فقط، نجد أن حضارات مثل الحضارة المصرية والعراقية واليمنية تُعتبر من الأقدم في التاريخ.
ومع ذلك، لا تخلو الولايات المتحدة الحديثة من إرث تلك الصراعات التاريخية، حيث لا تزال قضايا حقوق السكان الأصليين في الواجهة. فعلى الرغم من مرور عقود على سياسات الإبادة والتهجير، لا تزال التحديات قائمة، إذ يشهد التاريخ المعاصر مواجهات عديدة بين الحكومة والفصائل القبلية لحماية أراضيهم ومواردهم. مثال على ذلك احتجاجات السكان الأصليين في مواجهة مشروع “خط أنابيب داكوتا” (Dakota Access Pipeline)، الذي رأى فيه السكان الأصليون تهديدًا لمواردهم الطبيعية.
وفي كل انتخابات جديدة، تقف الولايات المتحدة أمام مرآة ماضيها، حيث تتجاوز الأسئلة المطروحة حدود السياسة، وتثير نقاشات حول العدالة التاريخية والاستحقاقات الإنسانية. فهل ستتجه الولايات المتحدة نحو مستقبل يعيد النظر في قضايا العدالة التاريخية، أم ستبقى في صراع دائم بين طموحاتها العسكرية وقيمها الديمقراطية؟
بهذه النظرة التاريخية، يمكننا أن نفهم أن الانتخابات الأمريكية ليست مجرد عملية سياسية؛ بل هي انعكاس لتاريخ طويل من التحديات، تتناوب بين التطلع للمستقبل والوقوف عند الماضي، في قصة لا تزال فصولها تتوالى على أرض مستعارة، بانتظار إجابة عن مصير أمة بنيت على إرث ثقيل.