قصة (خارج إطار المثالية) “هنا كل شيء ونقيضه، فلا تثق بكل ما تراه عيناك.”
أشرقت فرحات
“هنا كل شيء ونقيضه، فلا تثق بكل ما تراه عيناك.”
هنا كل شئ ونقيضه، لن تستطيع فهم ما يدور الا في النهاية، لا تثق بكل ما تراه عيناك، فكل شئ ليس كما يبدو عليه.
لن أبدأ بمقدمة تثني على هذا العمل، من يريد القراءة حقًا لأنه يحبها فليكمل، أما من يقرأ بدافع تسلية الوقت أو الفضول للمحتوى، فلا مكان لك هنا.
القاعدة الأولى:
“حلّق ولا تهتم لأحد، فإن انتبهت لهم وهبطت سيكونوا أول من يكسر جناحيك.”
اقتربت من الجسر بشرود، رأته يقف فرسمت ابتسامة مصطنعة على وجهها، القوانين تجبرها على ذلك، لذا أصبحت جميع ردات فعلها مصطنعة، بالتأكيد هي لا تريد ذلك ولكنها ان اعترضت أو كسرت تلك القواعد، حتمًا سيكون مصيرها الهلاك.
أدمعت عيناها بعدما تذكرت ذكريات هذا المكان معها، ف هنا كان لقائها الأخير مع زوجها الذي لم ولن تحب غيره، ولكنها فقدته بعد أن قرر كسر قاعدة من قواعد هذا المكان العجيب، حينما علم الحراس بما فعله أخذوه أمام أعينها، كانت تبكي وتصرخ بهم أن لا يأخذوه، أنها لن تقوى على الحياة بدونه، لكنهم لم يعيروها اهتمامًا بل هتفوا ببرود:
“كلمة أخرى ولن نسجنه فقط، بل سنقت.له أمامكِ!”
تجمدت معالمها لثوانٍ قبل أن ترتطم بالأرض بقسوة مغشيًا عليها.
فاقت من شرودها على يد تربت على كتفها، تنهدت بعمق وهي تسير إلى السور القصير الذي يطل على النهر، ظلت تراقب حركة المياه، حاولت تشتيت انتباه من بجانبها ونجحت بالفعل في ذلك، أمسكت تلك العصاة السميكة التي كانت بجانبها وضربته بها على رأسه بقوة ثم هتفت ودموعها تنساب على وجنتيها:
“أعتذر، أعتذر حقًا، لم يكن أمامي خيار آخر”
صمتت قليلًا وهي تبتعد بسرعة عن هذا المكان خوفًا من أن يراها أحد ثم تابعت بخفوت والقطرات مازالت تهبط من عينيها:
“أعتذر.”
ابتعدت عن المكان وظلت تركض وتركض وتركض دون علم لوجهتها، رفضتها جمبع الأماكن والأشخاص، فإلى أين تذهب بعد الآن، وقفت قليلًا لتستريح من المسافة الكبيرة التي قطعتها، ولكنها وجدت حفرة مثلثة تومض بشكل لافت للأنظار، شعرت أن مظهرها مألوف على نظرها، ورعان ما مرت ذكريات كثيرة أمام أعينها، تجمدت أوصالها للحظات ثم هتفت بفرحة متناسية ما فعلته من بضع دقائق فقط:
“تذكرت، لقد تذكرت كل شئ أخيرًا!”
جال بخاطرها بداية حضورهم إلى هنا، بداية أسوأ فترة مرت في حياتها..
-رجوع بالزمن وتحديدًا منذ عام ونصف-
نظرت له بحزن وهي تنبس برجاء:
“لن يحدث شيئًا إن ذهبنا يا يامن!
كل ما يقولونه ليس له أساس من الصحة، سنراقب فقط من بعيد، لن نقترب، وافق لأجلي”
زفر بضيق وهو يعيد التفكير في هذه الرحلة، تريد منهم أن يذهبوا لمكان من أكثر الأماكن خطورة على وجه العالم!
من هذا الأحمق الذي سيرضىٰ بأن يرمي بنفسه إلى الهلاك!
فاق من شروده ثم تفوه بجملة جعلتنا نعلم من ذلك الأحمق:
“حسنًا أنا موافق”
ثم تابع بتحذير:
“ولكننا لن نقترب!”
أومأت رأسها عدة مرات وهي تقفز بسعادة ثم هتفت والابتسامة تشق وجهها:
“كنت أعلم أنك لن تتركني حزينة”
ابتسم لها بحنان، لم يتزوجا عن قصة حب أسطورية، بل كانت زيجة تقليدية، ليس من الضروري أن يتزوج المرء عن قصة حب تتحاكى لها الأجيال، فالزواج ليس قائم على الحب فقط، الحب وحده لا يبني علاقات ناجحة، بل تُبنى العلاقات على المودة، الرحمة، والاحترام، وأخيرًا الحب إن وُجِد.
القاعدة الثانية:
“لا تُبالغ في حبك للآخرين، لأنهم إما سيرحلوا وهم على أتم الثقة أنهم سيجدونك عندما يعودوا، وإما سيُسلبوا منك، هكذا الحياة، كي تعيش بهناء عليك أن لا تُفرط، ولا تبخس.”
حلّ وثاق ذلك الحبل السميك الذي كان يثبت السفينة في طَرَف الجسر الخشبي، بدأت السفينة تشق رحلتها في البحر الواسع، متجهة إلى بقعة من أخطر بقاع العالم، لغز لم يستطيع العلم فك شفراته إلى الآن، ألا وهو “مثلث برمودا”
كانت تريد تجربة الذهاب إليه بنفسها، وحينما قالوا أن كل ما يُقال عنه كذب، استغلت الفرصة وقررت الذهاب وهي لا تدري أن هذا سيكون أسوأ وأغبى قرار اتخذته في حياتها.
ما قام بتسهيل رحلتهم هو أنهم كانوا يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الصفقات والعمل الخاص ب “يامن”، وبما أنها قريبة من ذلك المكان، وصلوا في مدة ليست طويلة وليست قصيرة، كانت الأمواج هادئة، السماء صافية ولم يلحظوا أي شئ غريب أو غير متوقع حتى الآن، بينما هي هتفت بسعادة:
“ألم أخبرك؟
لم يحدث لنا شئ، هيا نذ…”
لم تكمل جملتها حتى هاجت الأمواج وشعروا بأن هناك قوة خفية تقود السفينة إلى تلك المنطقة الخطيرة، حاول التجديف في عكس إتجاه تلك القوة ولكن بائت جميع محاولاته بالفشل، هدئت الأمواج فجأة وكاد أن يحدثها ولكن وجدوا تلك الحفرة تومض بشكل لافت للأنظار، شعرت أن قواها خارت ثم وقعت مغشيًا عليها، بينما هو بعدما كاد يتقدم منها شعر بأحد ما يضربه بقوة على رأسه، فسقط هو الآخر.
القاعدة الثالثة:
“لا أمان للبشر، خذ هذه الجملة قاعدة في حياتك، وإن لم تفعل فأنت حُر، ولكن لا تعد باكيًا بعدما تُخذل.”
استفاق أخيرًا من إغمائه ناظرًا حوله بتعجب، أخذ يفكر، ما هذا المكان الغريب؟
كيف جاء إلى هنا؟
حاول التذكر لكن انتهت جميع محاولاته بالفشل، لا يتذكر من هو أو من تلك التي بجانبه، حاول التذكر مجددًا فجال في باله بعض اللقطات لعقد قرآنهما، استطاع استيعاب انها زوجته بصعوبة، شعور سئ أن يشعر المرء أنه مجبر على تقبل كل ما يحدث حوله، وأن ليس أمامه ما يمكن فعله.
فاق من شروده على صوت همهمات صغيرة تصدر منها ويبدو أنها بدأت في استعادة وعيها، ربت على كتفها بخفة في محاولة لجعلها تستفيق، وبمجرد أن فتحت أعينها هتف بسرعة:
“انا لا أعلم أين أنا ولا أعلم من أنتِ أو من أنا أو أين نحن أو ماذا حدث”
ألقى حديثه على دفعة واحدة ثم تنفس بعمق وهي مازالت تنظر له ببلاهة تحاول استيعاب ما قاله، كادت تتحدث ولكنها رأت ما جعلها تقف من مكانها بسرعة، نظر لها باستغراب سرعان ما تحول لقهقهات عالية بعدما رأى أن فزعها كان من مجرد عنكبوت صغير يمشي على الأرض، نظرت له بغيظ ثم قالت بإدراك لما حدث أخيرًا:
“حسنًا بما أننا لا نتذكر أي شئ، يجب أن نحاول التعايش هنا حتى نتذكر.”
اومأ بنعم ثم هتف بتوتر:
“لقد تذكرت شئ ما، نحن… نحن كنا متزوجان قبل مجيئنا هنا”
تضاربت بعض الذكريات بعقلها، ثم بدأوا رحلتهم في تلك المدينة العجيبة.
القاعدة الرابعة:
” لا تتوقف الحياة على أحد، يجب عليك مواكبة كل ما يحدث؛ حتى لا تندم في وقت لا ينفع فيه الندم، لا ينفع أبدًا.”
بدأوا في التعايش مع ما حولهم، كان ذلك صعب في البداية ولكنهم تقبلوا الوضع، اعتادوا على بعضهم البعض، بدأت تحبه وتعتاد وجوده، حتى جاء ذلك اليوم الملعون..
هتف بغضب:
“وأنا لن أستطيع تنفيذ هذه القوانين مجددًا، حتى أبسط حقوقي في التعبير عن رأيي ليس بإمكاني فعلها!”
حاولت ردعه عن تفكيره فنبست ببكاء:
“حسنًا وبعدما تفعل هذا، ستتركني وتذهب؟
أترضى أن تتركني وحيدة في هذا المكان الذي لا نعلم كيف جئنا له إلى الآن؟”
نظر لها بعينين تلمع إثر قطرات الدموع التي تجمعت بها وهو يهتف بشرود:
” لا يوجد أمامي سوى ذلك الحل”
احتضنها بقوة ثم ابتعد وهو يودعها بنظراته، وانهارت هي على الأرض، وبعد يومين علمت بمكانه، ذهبت وعندما وصلت وجدت أنه قد فات الأوان، وكان الجنود حينها يلقون القبض عليه.
-رجوع للوقت الحالي-
وجدت الجنود يقتربون منها فقفزت في الحفرة وهي لا تعلم مصيرها.
شهقت بقوة وهي تعتدل وتنظر حولها بتعجب، تذكرت ما حدث فصاحت وهي على وشك البكاء مجددًا:
“يامن”
جاء من الخارج مسرعًا يقول بقلق:
“انا هنا، ما بكِ؟”
حاولت استيعاب وجوده ثم بكت بعدما اكتشفت انه كان مجرد كابوس، كابوس فقط!
تمّت.