اسمي خمسة وأربعون الف ومائتين وثمانية وستون…هذا هو الرقم المطلوب منى هذا العام..
ومنذ يفرض الرقم فلا اسم لى إلاه…إن تحقق…استعدت أسمى الحقيقي وهويتي لمدة يوم كامل حتى يتم فرض رقم جديد..وان لم يتحقق فأنا لاشئ..عندها يسمح للكلاب والغربان والرجال الدجاجات باستباحتى..اصير صيدا سهلا واكلة سائغة امامهم…
وفرصة ملائمة لتفريغ كبت كل منهم وما يلاقيه ممن هم يركبون فوق راسه..مكالمة المشرف دائما ما تكون مزعجة لى..استعين عليها بحبايتن الضغط وقهوة مرة وسحب من دخان السجاير اتنفس فيها ومنها..يريدني ان ابيع اللاشئ فى سبيل ان يتحقق مجده…الوغد ذو الشارب الرفيع والكتفين المتدليين والكرش الواسعة يرغب فى مكان أعلى…تحركه الرغبة والرعب…لذا يبدو دائما منفعلا عالى النبرة…له رقم هو الاخر لابد أن يبلغه..محدود الفكر والأحلام يعتقد ان قيمته فى الحياة هى قيمته فى الشركة..مثير للشفقة عدم اداركه انه فى سباق الفئران حتى لو فاز..سيظل فأرا..
امراتى تريد الايفون الجديد…امراتى لا ترحم عندما يتعلق الأمر بالايفون…تريد أن تسبق زميلتها علا فى اقتنائه..عندها رقم هى الأخرى تسعي إلى تحقيقه… الأولى..
نجاحى فى الوصول لرقمى يعنى اموالا كافية لتحقيق هدفها…وبرغم ذلك فهى تشتكي دائما من ان وقتى مسخر للشركة لا لها…وباننى كثير الشرود ولا استمع لما تقوله..رغبتان متعارضتان عندها ولا اعلم كيف احققهما الا اذا قطعت نفسي لأجزاء..فى داخلها تعلم ذلك…ولذا قررت الاستعانة بصديق..امراتى وجدت من يسمعها وتلقي بهمها فى اذنه…امراتى تتحدث إلى رجل أخر..تتحدث إلى رجل اخر وتريد منى انا الايفون ..
الكل من حولى يبيع للكل اشياء لا يحتاجها ولكنه يشتربها ثم يخلق الحاجة…اما انا فحاجتى لحياة لا اعيشها الان وعندما تتوافر وسائلها سأكون قد بلغت من العمر عتيا ووهنت اعضائى فلا متعة لشئ ولا قيمة لمال..ساستخدمه فى العلاج ربما..
قمت بزيارت عديدة لصديقي الطبيب..قال بأن استمرارى بهذه الطريقة هو هدم لصحتى تدريجيا..اتحد على جسدى الضغط والسكر ولم أتجاوز الأربعين..ارجعها إلى الضغط النفسي والتفكير ونصحني بالا افكر كثيرا ولا أعرض نفسي للتوتر..بسمة باكية زحفت إلى شفتى فكل ما فى حياتى هو التوتر والقلق…انا عبارة عن أربعة وثمانين كيلو جرام من التوتر والقلق..
عشيقتي سهام قالت باننى لم أعد كما كنت…
كيف كنت؟
لقد نسيت..سهام ترغب فى لاب توب جديد..يتطلب اهداؤه لها وصولى للرقم…
تغير سلوكها منذ أصبحت تخفى هاتفها عنى..ارسلت لى ذات مرة بالخطأ رسالة استنتجت منها انها تتحدث إلى رجل آخر..سهام تتحدث إلى رجل اخر وتريد منى اللاب توب..
و اليوم..وككل يوم تعيس دخلت مكتب المشرف..ارتدى اسلحته كاملة..زى رسمى وذلك المنديل العالق فى جيب سترته العلوى باستمرار..ربطة العنق الخانقة..رؤية هذا الرجل تستفزني وترفع ضغط الدم فى اوردتى..علا صوته النسائي موبخا لى على الفجوة بين ما تحقق وماهو مطلوب:
– انت مش شايف شغلك..انت مش عايز تشتغل..فين الرقم ..الرقم ..الرقم.
اندفع الدم فى رأسي وارتعشت اطرافي ولم أعد احتمل المزيد..بلغت من العمر سنا لا يجوز آن يعامل بتلك الطريقة خاصة من بغل مثل هذا…اتا أفضل منه واقوى بأى طريقة للقياس…سأثبت له ذلك…
كلوح ثلج تحركت ناحية مكتبه..تناولت الدباسة الكبيرة الموضوعة أمامه..انهلت على رأسه بها بكل ما احمله من يأس وخوف..وجهت اليه اللكمات المتوالية كما شاهدتهم يفعلونها فى فيلم نادى القتال..آلمتنى يدى كما لم اتوقع لكننى لم اتوقف.. صرخت فيه :
– انا مش رقم..انا انسان يا بن الكلب.
دخل الموظفين إلى المكتب هلعين وانا احاوط رقبته بيدى..
– انا مش رقم ..مش هسيبك الا ما تقول اسمى…اسمى محمود…محمود.
نطقها وهو يلهث…لمحت نظرات الخوف والمهانة فى عينيه فتحققت نشوتى. سحبونى من فوقه ووجهه مخضب بالدماء وانا اضحك بهستريا واوجه السباب للجميع.
…….
رن الهاتف الملقى على الكومودينو بجانبي كجرس إنذار…عدت من احلامى فانسالت فى راسى الحقائق السخيفة..امرأتى بجانبي لم تنم بعد تتبادل الرسائل مع مجهول…
كإنسان آلى ولجت إلى دورة المياة لازالة اوهام الليل…لم تنجح المياة المتدفقة إلى فروة راسي فى ذلك تماما…بقايا الحلم والدماء مشاهد ضبابية يساعدني على محوها فنجان القهوة الصباحي..
وجدت رسالة على الواتساب من سهام:
– حبيبي…صباح الفل..بعتلك لينك فيه عرض على اللابات بنص السعر.( ايموشن وجه خجول).
لا بدائل أمامى سوى نفس الطريق..
ولجت لسيارتى وانطلقت فى شوارع مزدحمة بالأشباح ممن سأبيع لهم واشترى منهم…الكل ضد الكل.. والكل مع الكل فى سبيل الوصول للرقم.