لم يعد في العمر متسع !!! بقلم ا.د/إبراهيم محمد مرجونة
بقلم ا.د/إبراهيم محمد مرجونة
أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية-رئيس قسم التاريخ
كلية الآداب بدمنهور
نشأ الصداقات في حياة الإنسان وتتوثّق لتشكّل عصب حياته الاجتماعية، إذ يعوّل المرء على صديقه للدعم المعنوي في الكثير من الأحيان، ويكون الأصدقاء عنصراً مهمّاً من سلامة الحياة النفسية عنده. وفيما تشكّل الصداقة علاقة صلبة بين شخصَين، قد تندثر أحياناً وتنتهي لأن العلاقة لم تعد سليمة أو مفيدة أصلاً.
لكن هناك حقيقة مؤلمة نكتشفها متأخراً جداً في مراحل متقدمة من عمرنا، لكن نحمد الله على أننا قد لحقنا بها، حيث “لم يعد في العمر متسع لمزيد من الأشخاص الخطأ”، جملة وردت في كتابات الأديب العالمي الروسي الجنسية “فيودور دوستويفسكي”.
تختلط الأمور علينا في مشوار الحياه الطويل، فتقابل أشخاصا، وتعاشر أناسا، وتزامل كثيرين سواء في رحلتك اليومية إلى المدرسة أو الجامعة أو العمل أو على المقهى أو وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت تجمعنا لأوقات غير قليلة . وتقابل مع كثير من هؤلاء الاشخاص الموت قبل الحياة
وكذلك نتزامل مع كثيرين في الشارع وأنت مترجلاً أو مستعملاً إحدى مركبات النقل العام، وحتى وأنت تمتلك سيارتك يزاملك في الشارع سائق (التوك توك) أو الميكروباص أو سيارة مرسيدس، وكذلك “عربجي يقود عربة كارو” أو حنطور كل هؤلاء زملائك على الطريق!
وننسى في بعض الأحيان ونسمى البعض ممن نتواصل معهم بالأصدقاء! وهنا يجب أن نتوقف قليلاً لكي نتفحص الأمر جيداً!
“فالصداقة شعيرة” من شعائر العلاقات الإنسانية فيها من الحب المتبادل، والتضحية المتبادلة، والمصلحة أيضا المتبادلة، وقبل ذلك كله، حالة كيمائية بين الناس وبعضها البعض، كل تلك العناصر يجب توفرها لكي “تعطي لقب صديق لشخص آخر” بجانبك، وهنا الأمر يحتاج إلى كثير من التجارب والخبرات، وأيضا إلى كثير من المواقف التي يظهر فيها هذا الشخص بجانبك لكي يحمل لقب صديق!
وما أكثر الأكاذيب التي نراها في حياتنا في التعامل من شخص تظنهم بحق أنهم أصدقاؤك، من منا في تجربة حياته لم يمر بمثل هذه الشخصيات التي اعتقدعن (طيبة) في جيناته أنهم بالفعل أصدقاء!
“في ناس بنشوفها بالالوان وناس جواها مش بيبان
وناس اسود وناس ابيض وناس محتاجه بس امان
واكتر ناس تآمنهم ما بيجي الجرح غير منهم
وناس انت بعيد عنهم بتنسي معاهم الاحزان” (صلاح جاهين)
ولمعرفة الصديق واختباره هناك عدة طرق لذلك ومنها: وقت الشدة: جرّبه حين وقوعك في ضيق، وحين تفرح. السفر: يُعدّ السفر مع صديقك أفضل وسيلة لاختبار معدنه، ومعرفة مدى محبّته لك، ففي السفر تظهر حقيقة الإنسان. الغضب: الغضب يكشف كل شيء يخفيه الإنسان، فحين الغضب يزول التظاهر وتظهر الحقائق، فانتبه لما يقوله صديقك أثناء غضبه. كتمان السر: أخبر صديقك بسر لم تخبره لأحد من قبل واكتشف إذ ما أفشاه لأحد أم لا، فعلى صديقك أن يحفظ أسرارك عن أقرب الناس له. إقراض بعض المال: الكثير من الأصدقاء يختفون بعد أن يحصلوا على مصالحهم منك، فأقرض صديقك بعض المال لتكتشف إذ كان يصادقك لمصلحة أم لا. تصرّفه حين تخطئ: ارتكب بعض الأخطاء وانظر كيف سيتصرّف صديقك معك، فالصديق الحقيقيّ يبعدك عن الخطأ، وينصحك لفعل الصواب دائماً، ولا يقبل أن تتّسم إلا بالخلق الحسن. الوفاء بالوعود: اجعل صديقك يقطع بعض الوعود لك وانظر إذ ما كان يفي بها أم لا، وإذا رفض قطع بعد الوعود الصعبة فلا تلمه؛ فهو يحاول أن يعدك فقط ما يستطيع فعله ليفي بكل وعوده.
هناك دلائل كثيرة على ضرورة إنهاء الصداقة، بما أنها أضحت مؤذية وغير مفيدة للشخصَين:
عندما ينعتك مدعي الصداقة بنعوت بشع ، عندما تصبحالعلاقة غير متوازنة:فهذا دليلٌ على أن الصداقة قد انتهت، ولم تعد مفيدة في حياتكما، لأنه ليس مهتماً بك بقدر اهتمامك به.
عندما تشعر أن صديقك لا يقدّرك ولا يحترم شخصيتك، فتصبح حذراً في أحاديثك معه مشكّلاً شبه رقابة على ما تنطق به، بما أن ثقتك به لم تعد موجودة، إذ يسيء فهمك وينتقدك ويُحرجك. هذه ليست علاقة سليمة، بما أن على صديقك أن يفهمك ويتقبّلك كما أنت، وأن يقف بجانبك معزّزاً ثقتك بنفسك وثقتك به.
من أبرز الدلائل أيضاً على انتهاء الصداقة، هو أن ليس لأحاديثكما أي معنى، بل جلّ ما تقومان به هو اللقاء والتحدث عن العمل أو تبادل التعليقات حول الناس المارين. هكذا علاقة ليست صداقة، لأن الصديق هو الذي تلجأ إليه للراحة والمواساة خلال صعوباتك وتتوجه إليه للاحتفال والمرح خلال نجاحاتك، أي إن العلاقة تكون أعمق بكثير من مجرد حديث سخيف مع فنجان قهوة.
إذا كان الكاتب الكبير الروسي (ثيودور) حينما نبهنا بأنه “لم يعد في العمر متسع لمزيد من الأشخاص الخطأ فعليك أن تفحص جيدا قائمة الأصدقاء ! فعش وحيدا أولى من زيف المشاعر، فالصداقة وردة عبيرها الأمل ورحيقها الوفاء ونسيمها الحب وذبولها الموت.