هل يستوى النجاح والفشل في ميزان العدل
بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى
إذا سألنا كل إنسان ما تبحث فى هذه الدنيا وعن أى تفتش فى هذه الحياه سيرد وسيقول أبحث وافتش عن السعاده والنجاح والنجاح من الكلمات التي تبهج لها النفوس وتنشرح لها الصدور ويمتلئ القلب لها سروراً وهي كلمة لها بريق، مطلب كل إنسان في حياته في تجارته في وظيفته في دراسته، فهذا النجاح إذاً مطلب عظيم ونجاح الآخرة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه ” اللهم إني أسألك خير المسألة وخير الدعاء وخير النجاح وخير العمل وخير الثواب وخير الحياة وخير الممات ” رواه الطبراني
وكان النبى الكريم عليه الصلاة والسلام يتفاءل ويعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع: يا راشد يا نجيح، وكذلك كل كلمة حسنة ولكن ما هو النجاح الحقيقي؟ والناس وإن اتفقوا على طلب النجاح إلا أنهم يختلفون في رؤيتهم له، فمنهم من يرى النجاح في تكوين الثروة، ومنهم من يراه في أن يصبح مشهوراً، ومنهم من يراه في استقرار حياته الزوجية وتأمين مستقبل أبنائه، ومنهم من لا يرى النجاح إلا في إشباع غرائزه ، وإن كل إنسان عاقل يسعى بحثاً عن سعادته، وتحصيل وسائل سروره وراحته ، ويبذل في سبيل ذلك ما يقدر عليه من جُهد ووقت، ومال وغير ذلك.
غير أن الناس ليسوا سواء في تحديد نوع السعادة التي عنها يبحثون، لكن الجميع يتفقون على أن النجاح بذلك المطلوب من أعظم جوالب سرور النفس وراحتها، خاصة إذا جاء بعد شدة الطلب، وكثرة التعب، وكثرة الأشواق وصعوبة الطريق، فلساعة النجاح طعم آخر، وإن النجاح مطلب محبوب للنفوس العزيزة، وشيء يكمن في خبايا الغريزة، له لذة كبيرة، وزمان لا ينسى، يتسلى الناجحون بالحصول عليه عن آلام الطريق إليه، ويبنون منه همة مضيئة إلى آفاق نجاح آخر، فالنجاح يلد النجاح.
ويعيش الناجحون حياة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ينفعون الحياة وينتفعون بها، فلا يزالون مصابيح إشعاع للخلق بنور نجاحاتهم وبريق طموحاتهم ، فكيف ستكون الحياة إذا لم يكن فيها نجاح وناجحون؟! فلولا النجاح لكانت الدنيا ليلاً بلا صباح، وشقاء بلا أفراح ، وإن الله تعالى خلق عباده ومنحهم مواهب وقدرات يستطيعون الوصول بها إلى النجاح في حياتهم، والفلاح في فرصة أعمارهم.
وإن النجاح قد يكون في العلم الديني أو الدنيوي، وقد يكون في الوظيفة والمهنة، وقد يكون في حسن ترتيب الحياة وإدارة النفس والأسرة، وقد يكون في نفع الناس وإيصال الخير لهم، وقد يكون في غير ذلك، فليس له مجال محدود، وليس حصراً على أناس معدودين، وإن حصل هناك تباين في مقدار النجاح من شخص لآخر.
ومن الخطأ الكبير الذي لا يقل عن الإخفاق الكبير في النهاية أن يتوجه الإنسان إلى شيء لا يرغب فيه، فهناك من الناس من يشكو التعاسة والضيق في وظيفته وعمله، وهذا بلا شك يضعف نجاحه في ذلك المجال، فليس السبب في ذلك ضعف قدرته، وقلة موهبته، وإنما السبب أن تلك الأعمال لا تلبي طموحاته، ولا تميل إليها نفسه، ولو كان في غيرها وإن النجاح حينما يكون سمة بارزة في حياة المسلمين أفراداً وجماعات سيكون له أثره الحسن عليهم وعلى غيرهم ، وسيجدون بذلك الحياة المستقرة الرغدة، والتقدم المنشود، والإنتاج النافع المتنوع …
والنجاح في الدنيا لا يختلف أحد على أهميته ومدى الحاجة إليه، ولكن نجاح الآخرة أهم وأكبر، وأجل وأعظم، وذلك حينما يتفضل عليه الله عز وجل ويتكرم عليه من نعمه العظيمه فيجيره من النار، ويدخله الجنان، ويقول الله تعالى: ” فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ “.
والنجاح الذي تشتاق إليه النفوس، وتشرئب له القلوب، يوم أن يفارق العبد هذه الحياة الدنيا، وقد ختم له بخاتمة حسنة، يوم أن يخرج من الدنيا وقد ثبته الله بالقول الثابت، ومات على لا إله إلا الله، ويقول الله عز وجل ” يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ “.
والنجاح الأكبر والفوز الأعظم حينما يوضع العبد في قبره، فيكون قبره ذلك روضة من رياض الجنة، فيفتح له باب إلى الجنة، فيتنعم بنعيمها، ويتلذذ بملذاتها، حتى يبعث الله الأولين والآخرين، وقد وضح لنا النبى الكريم أن العبد يسأل في قبره: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فإن أجاب على هذه الأسئلة نجح ناجحا باهرا، وفاز فوزا عاجلا، فيقول النبي : ” فينادي مناد من السماء: أن قد صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة ” وقال: ” فيأتيه من روحها وطيبها ” وقال: ” ويفتح له فيها مد بصره”
والنجاح أن تفر بالذنوب من الدنيا فلا تتعدى حدود الله عز وجل وقد عرفنا النبى الكريم عليه الصلاة والسلام حينما قال للشاب الذي قال له: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: أدنه، فدنا منه قريبا، قال فجلس قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا، والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا، والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: (اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء) ..
والنجاح الحقيقي أيضا حينما تثقل الموازين بالصالحات، وترجح كفة الحسنات على السيئات، حينها يسجل للعبد نجاحا لا فشل بعده، وفوزا لا خسارة تعتريه، وصف الله لنا هذا المشهد فقال: ” فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ” وأما في حال رجحان كفة السيئات وقلة أو ندرة الحسنات فإن المشهد سيكون مؤلما، والموقف مروعا، وكيف لا يكون كذلك والنار تترقب بلهف للنيل من الفاشلين وتأديب المفرطين؟! يصف المولى لنا هذا المشهد ..
فيقول: ” وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ” وهنالك يقدم الفاشلون الأعذار الواهية، ويسوقون الحجج الكاذبة، وهيهات هيهات، لقد أفلح الناجحون، وسعد الفائزون.
وتأملوا موقف هؤلاء الفاشلين الخاسرين وهم يصطرخون في النار، ثم تأملوا في الحجج التي كانوا يتحجّجون بها، هل أغنت عنهم شيئا أو أكسبتهم خيرا؟! وهل دفعت عنهم العذاب؟! ثم خذوا العظة والعبرة مما حصل لهم وحل بهم، قال الله تعالى عنهم: ” قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ ” .
ولنعلم جميعا أن النجاح الحق هو ما ظهر أثره في الواقع من نفع الناس والنهوض بهم، فنجاح الطالب في تفوقه الدراسي الذي يثمر عائداً صالحاً للمجتمع من تلك الدراسة، ونجاح المعلم في اتقان تخصصه وحسن تعليمه، وكذلك نجاح كل موظف وعامل في براعته في عمله، وأداء الحق الموكل إليه فيه، فكانت هذه دعوه الى النجاح والفوز بالجنه والإبتعاد عن الفشل الذى يؤدى الى النار والجحيم .