المخدرات داء المجتمعات وسرطان الأمم
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
لقد تفضل الله تعالى بالنعمه العظيمه على الإنسان؛ بأن منحه عقلًا يميز به بين الخير والشر، نعمة كبرى تلك التي منَّ الله تعالى بها على الإنسان، فوهبه عقلًا يعرف به الحق من الباطل، ويعرف بها الهدى من الضلال، ويدرك بها مصالح الدنيا والآخرة، ويعرف كيف يتوقى الأشرار والأضرار، ويجني الفوائد والخيرات والمصالح، إنها نعمة عظمى ميز الله بها الإنسان، فبها يَصلُح دينه، وبها تَصلُح دنياه، وبها يستقيم في شأنه الخاص وفي شأنه العام، فبقدْر كمال العقل ونضوجه، وصلاحه وسلامته، وكماله وجماله؛ يتحقق للإنسان الفوز في الدنيا والآخرة.
نعم إنها نعمة عظمى أن جعلنا الله تعالى على هذا النحو من الخلق، فأخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا، ووهب لنا آلاتٍ ندرك بها شيئًا فشيئًا مصالحنا، حتى تكتمل تلك الآلات، وما تثمِره من المعارف والمنافع، فتَكمُل للإنسان النعمة بتمام العقل الذي يدرك به صلاح دينه ودنياه، وصلاح معاشه وأخراه.
ولقد حَرِصَ أعداء الإسلام حرصاً شديداً، على إضعاف هذه الأمة بشتى الوسائل، إما بإلهائهم وتضييع أوقاتهم، وإما بنشر وسائل الدعارة والمجون، أو التشكيك في مسلمات الدين وثوابته، ألا وإن من أعظم عتادهم، وأخطر سلاحهم ، سلاحٌ فتك بالأمة أيما فتك، راح ضحيته الآلاف بل الملايين، شُتت بسببه الأسر، وهُتكت الأعراض، وسالت الدماء، وانتشرت الأمراض، واختلت عقول، وامتلأت بسببه مستشفيات المصحات والمجانين، واكتظت السجون، ويُتمت بسببه ألاف الأطفال، ورملت النساء .
إنه الداء العضال، والسلام الفعال، إنه داء المخدرات والمسكرات، فلا إله إلا الله، كم من عقول سليمة سلبها، وكم من أسرٍ مترابطة فككها ودمرها، إنها المخدرات وما أدراك ما المخدرات إنها تقضي على الفرد في أعز ما يملك وهو عقله، وبالتالي تقضي على دينه وصحته وسلوكه، وتقضي على المجتمعات بالإخلال بأمنها، وجلب الفساد والفوضى إليها، وتدهور اقتصادها، وإعاقة تنميتها، وتُفَكِّكَ أُسرَها.
فهي أمُّ الخبائث، ورأس الفتن والشرور، وكبيرةٌ من كبائر الذنوب، متعاطيها معِّرضٌ نفسه لوعيد الله ولعنته وغضبه، المدمن مفسد لدينه وبدنه، وأسرته ومجتمعه، ساع إلى الإثم والعدوان، صائل متمرد على الأخلاق والقيم، وهو عضو مسموم في المجتمع، إذا استفحل أمره وتطاير شرره، أصابه بالخراب والدمار، ومتى غاب عقل المدمن، نسي ربه، فترك الصلاة, فعندها لا يتورع عن القتل، والزنى، والخطف، بل وحتى الوقوع على محارمه، بل قد يسب الدين، وكم أحدثت من بغضاء وكم زرعت من عداوة، وكم فرقت من اجتماع، وكم ضيعت من أمة، وكم شتتت من أسرة، وكم فرقت بين رجل وزوجته وأب وبنيه.
وإن الله تبارك وتعالى قد أحل لعباده الطيبات من المآكل والمشارب، وحرم عليهم الخبائث التي تعود عليهم بالضرر في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، فأحلّ الله تعالى لنا الطيبات من المآكل والمشارب والملابس ومن المكاسب وغيرها، وحرم الله تعالى علينا الخبائث، وبيّن النبي الكريم في أحاديث كثيرة التحريم العظيم في أن يتعاطى الإنسان شيئًا من المحرمات فقال عليه الصلاة والسلام: ” كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به ” .
كما نهى الإسلام عن كل ما يؤثر على العقل ويعطل دوره عن التفكير والإبداع، فعَنْ أم سَلَمَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: ” نَهَى رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلًّ مُسْكِرٍ ومُفْتِرٍ”. رواه احمد . وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ “. رواه أحمد
والمخدرات هذه السموم القاتلة، فقد ثبت من الأبحاث والدراسات العلمية أنها تشل إرادة الإنسان، وتذهب بعقله، وتحيله بها لأفتك الأمراض، وتدفعه في أخف الحالات إلى ارتكاب الموبقات والإنسان سوف يسأل يوم القيامة عن عمره وشبابه وصحته، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:ل “اَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ ” . رواه الترمذي
ومن هنا فقد جاء تحذير الإسلام من جميع الخبائث والمحرمات، ومنها: إدمان الخمور والمخدرات والأمور المذهبة للعقل والمال والعرض ، والمسكراتُ والمخدِّراتُ داء المجتمعات، وسرطانُ الأمم، فأمر هذه آثاره الخطيرة، وهذا جزاء متعاطيه عند الله، وتلك حاله في الدنيا والآخرة، كيف تطيب نفس عاقلٍ فضلاً عن مسلم بتناوله؟ بل بوجوده في مجتمعات المسلمين؟ وإنه لعجيب حالُ من يسمع هذه الآثار، ويعلم أحوال من يتعاطى المسكرات والمخدرات، وما يقعون فيه من القبائح التي هي مسخ للدين، والعقل والصحة، وما صار إلى أهله من أخس حالة، وأقذر صفة، وأفظع مصاب، ثم بعد ذلك يقعون فيه، وقد علموا أخطاره وآثاره.
وأما آثار المخدِّرات على أمن الأمة، فقد أثبتت الدراسات الأمنية، وجودَ رابطةٍ قويةٍ بين متعاطي المخدراتِ وأصحاب الجرائم، جرائم السلب، والقتل، والاغتصاب، والسطو، من أجل ماذا؟ من اجل الحصول على المخدرات، فالمدمن لا يتورع عن ارتكاب أي جريمة، من أجل الحصول على هذه المخدرات ، فالخمور والمخدرات هي الآفة الخطيرة القاتلة التي بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة في كافة المجتمعات بشكل لم يسبق له مثيل، حتى أصبحت خطراً يهدد هذه المجتمعات وتنذر بالانهيار.
فالخمر والمخدرات وما كان في معناهما حرام قليله وكثيره،حتى وان لم يذهب العقل إلا بالكثير منه فقليله حرام عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ” رواه أبو داوود . وعليه فكل ما كان مسكرا فهو حرام مهما تغيرت الاسماء ومهما تغير شكله ولونه ما بقيت فيه العلة وهى الإسكار .
ويجب أن نعلم جيدا أن من أعظم الجنايات خطرًا، وأكبرها ضررًا، وأعظمها أثرًا في مسيرة الإنسان، في شخصه ونفسه، وفي من حوله، وفي مجتمعه، أن يغيِّب العقل، وأن يَعبَث به، وأن يزول ذلك الميزان الذي يعرف به الإنسان الخير من الشر، ويميز به الحق من الهدى، ويميز به ما ينفع مما يضر ، وإن الجناية على العقل جناية تفوق كل الجنايات، وهي مصدر لكل بلاء، وهي مصدر كل آفة، فبها تَفسُد حياة الناس، وبها يفسد دينهم، وبها تفسد مصالحهم، وبها تضطرب حياتهم، وبها ينالون كل ضرر، ويدركون كل شر، وبها يَهلِك معاشهم ومعادهم