بالفيديو التعويض عن الضرر في القانون البيئي المصري
إعداد / د. رشا عبد العزيز
يقصد بالتعويض في القانون البيئي المصري التعويض عن كل الأضرار الناجمة عن حوادث التلوث المترتب على مخالفة أحكام القوانين وكذلك الإتفاقيات الدولية التى تكون جمهورية مصر العربية طرفاً فيها ، أو عن حوادث التلوث بالمواد السامة وغيرها من المواد الضارة ، أو الناجمة عن التلوث من الجو أو عن جنوح السفن أو اصطدامها أو التى تقع خلال شحنها وتفريغها ، أو عن أية حوادث أخرى ، ويشمل التعويض جبر الأضرار التقليدية والبيئية وتكاليف إعادة الحال لما كان عليه أو إعادة إصـلاح البيئة .”
لكى يضمن الإنسان بقاءه على هذا الكوكب فإنه يحاول البحث عن سبل للخلاص من الآثار المترتبة على تلوث البيئة والتى تزداد حدتها يومًا بعد يوم ، والتى أصبحت تؤرق بنى البشر، ولن يتأتى ذلك الا عن طريق عقد الاتفاقيات الدولية تارة ، وإصدار التشريعات الداخلية تارة أخرى .
ولقد حاول العلماء والخبراء والمتخصصون بذل قصارى جهدهم سعيًا لحل هذه المشكلات على جميع الأصعدة المحلية والدولية من أجل كبح جماح هذه المخاطر.
ومخطئ من يظن أن التلوث البيئى مشكلة محلية – لأن البيئة فى الحقيقة لاتخضع لنظام اقليمى – وانما هى سماء مفتوحة وهو مايجعلها مشكلة دولية رغماً عن الجميع .
فقضية البيئة باتت قضية حياة أو موت تهدد حياة المجتمع ، فالجميع حكامًا ومحكومين يتنفسون هواءً فاسدًا .
إن حداثة قوانين البيئة في جمهورية مصر العربية ، فضلا عن غلبة الطابع الفني عليها ، جعلها لا تستجيب مباشرة لعلاج المشكلات المترتبة على التلوث البيئي من زاوية تعويض المضرورين فى إطار دعوى المسئولية البيئية.كما ان لا يوجد ما يحدد مدى إمكانية الرجوع على الدولة بدعوى المسئولية لتعويض المضرور عن الأضرار البيئية بصفة عامة فما هو الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه هذه المسئولية ؟
فإذا كانت الدولة هي المنوط بها حماية البيئة بما لها من سيادة تمارسها من خلال مجموعة من السلطات على إقليمها ، فإن ذلك يعني أنها مسئولة قانونًا عن هذا الضرر الذي أصاب الأفراد من أي نشاط ملوث للبيئة سواء أكان ذلك مصدره البر أم البحر أم الجو.
وانطلاقا من هذا هل تصبح الدولة هي المسئولة سياسيا واداريا عن هذا النشاط الضار بسبب اهمالها في اتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع وقوع الاضرار البيئية؟! قد يكون المسئول عن حدوث الضرر هو أحد الأشخاص ، أو قد يتعذر تحديد المسئول على وجه الدقة ، هنا يثور التساؤل أيضًا هل يمكن مساءلة الدولة عن تلك الأضرار وإلزامها بدفع التعويض باعتبارها صاحبة البيئة والمسئول عن حمايتها؟ وإذا تم إقرار مسئولية الدولة فى الحالات السابقة ، ما الأساس الذى يمكن أن تقوم عليه هذه المسئولية ؟ هناك العديد من الأنشطة التي تقوم بها الدولة منفردة مثل استخدام الطاقة النووية / أو اعتماد الفحم في توليد الكهرباء وغيرها من الأنشطة العلمية ، وهنا يثور التساؤل أيضا هل تنعقد مسئولية الدولة بسبب عدم توافر تكنولوجيا التخلص من النفايات المتولدة عنها إذا ترتب عليها تلويث للبيئة؟
إن الصورة الكاملة لحالة البيئة المعتدى عليها غائبة عن أذهان المشرعين مما جعل النصوص القانونية غير كافية وغير ملائمة للحاجة التي تتطلبُها تطورات العصر ، كما ان ازدواجية النصوص المتعلقة بالبيئة ، وما ينشأ عن ذلك من عدم الوضوح في اعتماد النص الواجب التطبيق. بالاضافة إلي وجود إزدواجية في عمل المؤسسات المختصة بشؤون البيئة وما ينشأ عن ذلك من تداخل وتنازع في الاختصاصات سواء أكان في مجال الاشراف أم الرقابة أم التنفيذ.
و ترجع أحكام مسئولية الدولة عن التلوث البيئي إلى نظريات عديدة يأتي فى مقدمتها نظرية الخطأ ، وإذا تعذر إثبات الخطأ يمكن الرجوع إلى نظرية المخاطر. والأصل أنه يمتنع على الدولة أن تقوم بأنشطة ملوثة للبيئة سواء أكان ذلك بسبب أجهزتها أم مركباتها أم مشروعاتها ، وبالتالي إذا ترتب على أي مما تقدم إضرار بيئة الإنسان ( عوادم السيارات الحكومية ، نفايات محطات توليد الطاقة النووية .. الخ ) تقوم مسئولية الدولة مباشرة وتتحمل تبعات هذه المسئولية من دفع التعويضات / إعادة الحال إلى ما كان عليه / تطهير المواقع الملوثة.
إن أحكام قانون البيئة لا تسعف في تحديد المسئول عن إحداث الضرر البيئي فى حالة تعدد المسئولين كما انه من الأمور التي استقرت قانوناً في جميع دول العالم أن التدرج الهرمي في القوانين الداخلية يترتب عليه سمو الأعلى على الأدنى ، بمعنى أنه لا يجوز لقانون عادي أن يخالف نص دستوري ، ولا يجوز للائحة أن تخالف أحد النصوص الواردة بقانون عادي وإلا فإن القاعدة الأعلى تلغي القاعدة الأدنى التي تتعارض معها ، مما تقدم يتضح أن القرار الوزاري الخاص بالسماح باستخدام الفحم كمصدر من مصادر الطاقة مخالفاً للدستورالمصري لعام 2012 المعدل في 2014م والذي ينص على حق المواطن المصري في بيئة نظيفة ، ومن المعلوم من التجارب السابقة للدول أن استخدام الفحم في توليد الطاقة وقطاع الصناعة له اضرار صحية وبيئية جسيمة مما حدا بالكثير من دول العالم الى وضع الخطط اللازمة للتوقف عن استخدامه بينما قامت الحكومة المصرية خلال العام الماضي بإقرار استخدامه في مخالفة واضحة للتوجه الدولي.
فإذا كانت جمهورية مصر العربية اعتمدت الفحم بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 954 لسنة 2015 كمصدر من مصادر الطاقة ، وأن دولاً كثيرة قد تحولت عن الفحم إلى مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة حفاظاً على البيئة ، وإذا كانت مصر غير منتجة للفحم ، وأن محطات الكهرباء تعمل حالياً بالغاز الطبيعي ، ولكي تتحول إلى العمل بالفحم يجب تغيير كثيرا من معداتها وآلاتها وهذا بدوره يتطلب توفير موارد مالية كبيرة ، تنعكس سلباً على مستهلكي الكهرباء.
ليس هذا فحسب وإنما سينعكس استخدام الفحم على صادراتنا من السلع إلى كثير من دول العالم خاصة الإتحاد الأوربى والتى اعتمدت البصمة الكربونية لضمان دخول سلع غير ملوثة ، وهذا سيينعكس على الاقتصاد المصري سلباً .
وبالتالي ستتحمل حكومة جمهورية مصر العربية تبعات هذا القرار من مسئوليات إدارية ، سياسية ، وقائية ، قضائية ، حال استمرار هذا القرار ، حماية لصحة المواطنين من الأضرار المترتبة على ذلك الفحم.
علي المستوي الدولي فإننا نري أنه يجب أن تكون مسئولية حماية البيئة الدولية مسئولية تكافلية بين كافة دول العالم ولهذا يجب أن ينص القانون الدولي على الضمانات اللازمة للدول النامية لكي تستمر في تحقيق التنمية لمصلحة شعوبها بما لا يؤثر على البيئة ، كما يجب أن ينص قانوناً على أحقية الدول النامية في الحصول على التكنولوجيات المتقدمة اللازمة لها لتقوم بعمليات التنمية بصورة مستدامة دون أن تضر بالبيئة ، مثل تكنولوجيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ونري ايضا انه يجب أن ينص قانونًا على أحقية الدول النامية في الحصول على الدعم الفني والمؤسسى والتدريب اللازم لأفرادها ومؤسساتها الفنية لتتمكن من مواجهة أخطار تلوث البيئة العالمى .
اما علي المستوي الداخلي او الوطني يجب إلزام الدولة بدفع التعويضات اللازمة للمتضررين من التلوث البيئي استناداً الى نظرية الضمان ، لأنها المسئولة عن الحفاظ على البيئة وضمان نظافتها للمواطنين .
كما يجب أن تتم مراجعة فلسفة قانون العقوبات المصري ، والأخذ بما أقره قانون العقوبات الفرنسي من إقرار المسئولية الجنائية للشخص الاعتبارى ، في مجال الجرائم البيئية.
و يجب دراسة إمكانية وضع فرع من فروع القانون يعنى بدراسة البيئة يطلق عليه ”القانون الجنائي البيئي .
والنظر في كيفية فض الاشتباك بين قانون البيئة والقوانين والتشريعات المتماثلة التي تهدف الى الحفاظ على البيئة ومواردها ، لتصبح مجتمعة ضمن قانون البيئة ، وذلك من خلال جمع شتات القوانين الخاصة بالبيئة في تشريع بيئي موحد ومتكامل ، حيث أن النتيجة التي تترتب على تشتيت القوانين هو فقد هذه القوانين الكثير من فاعليتها .ويجب إقرار مبدأ المسئولية بدون خطأ خاصة وأنها تنعقد استنادا على توافر ركني الضرر وعلاقة السببية ، اتباعًا لما ابتدعه مجلس الدولة الفرنسي . وأن تأخذ الجزاءات والعقوبات في الجرائم البيئية طابعًا مميزًا وإيجابيًا .
واخيرا يجب على المشرع أن يولي مسألة التعويض عن الأضرار البيئية جانب من التنظيم القانوني ، وبصفة خاصة إذا كان موضوع المسئولية عن أضرار التلوث البيئي سواء أكانت مسئولية الدولة في تقصيرها بأداء الالتزامات المفروضة عليها ، أم مسئولية الأفراد والمؤسسات والشركات والمصانع تجاه الأفراد ، ويتضمن ذلك تعديل مهام جهاز شئون البيئة الموضحة بالقانون رقم 4 لسنة 1994.