728x90
728x90
previous arrow
next arrow
تقارير

الوطن هو السفينه التى تنقلنا الى بر الأمان

728x90
728x90
previous arrow
next arrow

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

إذا تكلمنا عن حب الوطن فسوف نقول أنه مما لاشك فيه أن خدمة الوطن شرف عظيم، والعمل على بناء الدولة ورفعتها ورقيها وتقدمها مقصد شرعي ووطني، لأن حب الوطن والولاء والانتماء له وإدراك مكانته قيمة إنسانية راقية، لا يشعر بها ولا يقوم بواجبها إلا أصحاب الفطر السليمة، والمبادئ القويمة، فالوطن ليس مجرد بقعة من الأرض نعيش عليها، فالوطن حياة وهوية وأمانة.

وإن أغلى ما يملك المرء الدين والوطن، وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه؛ لأنه مهد صباه ومدرج خطاه ومرتع طفولته، وملجأ كهولته، ومنبع ذكرياته، وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده، حتى الحيوانات لا ترضى بغير وطنها بديلاً، ومن أجله تضحي بكل غالٍ ونفيس، والطيور تعيش في عشها في سعادة ولا ترضى بغيره ولو كان من حرير، والسمك يقطع آلاف الأميال متنقلاً عبر البحار والمحيطات ثم يعود إلى وطنه، وهذه النملة الصغيرة تخرج من بيتها ووطنها فتقطع الفيافي والقفار وتصعد على الصخور وتمشي على الرمال تبحث عن رزقها، ثم تعود إلى بيتها .

بل إن بعض المخلوقات إذا تم نقلها عن موطنها الأصلي فإنها تموت، فالكل يحب وطنه، فإذا كانت هذه سنة الله في المخلوقات فقد جعلها الله في فطرة الإنسان، وإلا فما الذي يجعل الإنسان الذي يعيش في المناطق شديدة الحرارة، والتي قد تصل إلى ستين درجة فوق الصفر، وذلك الذي يعيش في القطب المتجمد الشمالي تحت البرد القارس، أو ذلك الذي يعيش في الغابات والأدغال يعاني من مخاطر الحياة كل يوم، ما الذي جعلهم يتحملون كل ذلك إلا حبهم لوطنهم وديارهم .

لذلك كان من الحقوق والواجبات الاجتماعية في الإسلام والتي غرسها في فطرة الإنسان حقوق الوطن والأرض التي يعيش فيها ويأكل من خيرها ويعبد الله تحت سمائها، وأول هذه الحقوق الحب الصادق لهذا الوطن.

ومن أولى الواجبات في هذه الأيام إدراك قيمة الوطن والشعور بمكانته، خاصة في ظل الظروف والتحديات التي تمر بها منطقتنا العربية، لذا يجب علينا نشر ثقافة الولاء والعطاء والفداء بين الشباب من خلال المناهج الدراسية، والندوات والبرامج الإعلامية، فالوطن هو السفينة التي يجب على الجميع الحفاظ عليها حتى تنجو وننجوا معها.

وإنّ نعم الله قد شملت عباده أفرادا وأمما وشعوبا، وما دام الأفراد الصالحون هم الذين يصنعون الأمم والشعوب الصالحة، فإن هذه الأمم بدورها ينبغي عليها أن تحافظ على نعم الله عليها، وذلك بأن تسلك السبل التي تجمع الشمل ولا تفرقه، فتعمل على توحيد الصف، وإصلاح ذا ت البين، والتأليف بين القلوب، وإشاعة التفاهم والاتفاق والإجماع على ما يخدم الأمة ويبنيها على أساس من الأخذ بأسباب البناء والرقي والازدهار .

وقال تعالى: ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”. وهذا ما لا يكون إلا بالعمل الجماعي والتشاور في الأمور المصيرية التي تعكس صورة الأمة الحقيقية على مرآة الواقع بكل معطياته، مع نبذ كل أسباب الفرقة والتنازع وما إلى ذلك من دواعي الفشل والاندثار، قال جل وعلا:” ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”.

وإن أمة هذا شأنها لهي الأمة التي يمكنها أن تواكب مسيرة الحياة وتطوراتها المختلفة، وهي الأمة التي تستطيع أن تصنع واقعها المشرق باختياراتها الحكيمة ، ومن هذه الاختيارات تعبير أفرادها عن أرائهم، وذلك عن طريق إقبالهم على الانتخاب الذي هو حق لهم وواجب عليهم في أن واحد.

إنّ كل فرد مدعو إلى الإسهام في صنع مصير أمته بتعبيره عن رأيه واختياره بكل حرية، وإيداع كلمته عند من يرى فيه ثقته ويضع عنده أمانته، واضعا نصب عينيه مستقبل وطنه وأمال شعبه، فإن تأخر عن ذلك وأحجم فقد فرط في حقه وقصر في واجبه.

ولقد وقف النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يُخاطب مكة المكرمة مودعًا لها وهي وطنه الذي أُخرج منه، فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: “ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ“ رواه الترمذي .

وإن ارتباط الإنسان بوطنه وبلده مسألة متأصلة في النفس، فهو مسقط الرأس، ومستقر الحياة، ومكان العبادة، ومحل المال والعرض، ومكان الشرف، على أرضه يحيا، ويعبد ربه، ومن خيراته يعيش، ومن مائه يرتوي، وكرامته من كرامته، وعزته من عزته، به يعرف، وعنه يدافع، والوطن نعمة من الله على الفرد والمجتمع، ومحبة الوطن طبيعة طبع الله النفوس عليها، ولا يخرج الإنسان من وطنه إلا إذا اضطرته أمور للخروج منه .

كما حصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما أخرجه الذين كفروا من مكة، قال تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) سورة التوبة .

وإن المسلم الحقيقي يكون وفيًّا أعظم ما يكون الوفاء لوطنه، محبًّا أشد ما يكون الحب له، مستعدًا للتضحية دائمًا في سبيله بنفسه ونفيسة، ورخيصة وغالية، فحبه لوطنه حب طبيعي مفطور عليه، حب أجل وأسمى من أن ترتقي إليه شبهة أو شك، حب تدعو إليه الفطرة، وترحب به العقيدة، وتؤيده السنة، وتجمع عليه خيار الأمة.

وحب الوطن يظهر في احترام أنظمته وقوانينه، وفي التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته، حب الوطن يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته، وفي الاهتمام بنظافته وجماله، حب الوطن يظهر في إخلاص العامل في مصنعه، والموظف في إدارته، والمعلم في مدرسته، حب الوطن يظهر في إخلاص أصحاب المناصب والمسؤولين فيما تحت أيديهم من مسؤوليات وأمانات، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمواله وثرواته، حب الوطن يظهر في تحقيق العدل ونشر الخير والقيام بمصالح العباد كلٌّ حسب مسؤوليته وموقعه.

وحب الوطن يظهر في المحافظة على أمنه واستقراره والدفاع عنه، حب الوطن يظهر بنشر القيم والأخلاق الفاضلة ونشر روح التسامح والمحبة والأخوة بين الجميع، وأن نحقق مبدأ الأخوة الإيمانية في نفوسنا، وأن ننبذ أسباب الفرقة والخلاف والتمزق، وأن نقيم شرع الله في واقع حياتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، ففيه الضمان لحياة سعيدة وآخرة طيبة .

فإعلموا أنّ الوطن لنا حضن أمان وكنف اطمئنان، لذا كان حبه واجبا علينا جميعا، فعلى ترابه ولدنا، وفي أكنافه ترعرعنا، ومن ثماره تغذينا، وفيه تعلمنا أبجديات الحياة، فلا شيء يشغلنا عن حب الوطن، بل أن ذلك من دلائل الإيمان.

وعندما نستحضر تاريخ كفاح أبناء الماضى الذى راحوا شهداء في سبيل تحقيق حريتها واستقلالها وسيادتها، ندرك معنى التضحية التي امتزجت فيها الدماء الزكية بثرى الأرض الطاهرة النقية، وذلك عبر عقود من الزمن، كما ندرك معنى الوفاء والإخلاص لبلادنا في ظل الوحدة والأخوة والألفة بعيدا عن كل ما من شأنه أن يعكر الصفو .

وإن علينا أن نسهم في بناء المجتمع الإسلامي المختصر القائم على مبدأ الشورى الذي جاء به الدين الحنيف، وإن تعددنا صيغ الشورى وأساليبها في عصرنا عبر ما يسمى بالانتخاب والديمقراطية وغير ذلك ، وهذا صنيع حضاري يدل على وعي الأفراد بمصير أمتهم وإدراكهم لواجبهم نحوها، وإنهم يحصلون على عواتقهم مهمة قيادتها نحو الطريق المستقيم والسبيل القويم.

اظهر المزيد
728x90
728x90
previous arrow
next arrow
زر الذهاب إلى الأعلى