على أطراف أحد شوارع الزاوية الحمراء، كان عبد الرحمن منهمكا في عمله بمحل بيع مستلزمات الكهرباء.. بدموع منهمرة، قدمت إليه شقيقته تشتكي تحرش جارها يوسف بها، نفرت عروقه غضبا، شعر بحنق شديد قاده إلى منزل المتحرش لمعاتبته، قابله الأخير بنكران مشككا في رواية الفتاة، تطور الحديث بينهما لشجار بين عائلتيهما، انتهى بمقتل المدافع عن أخته، حسبما ذكرت تحريات مباحث القسم.
المجني عليه يبلغ من العمر 22 سنة، عمل مع والده في محل كهرباء، وهو في الخامسة عشرة من عمره، لم يتخط مرحلة الثانوية العامة في التعليم؛ لمساندة أبيه في تحمل أعباء نفقات العائلة التي تضم والدته وأخواته الأربع.
في الجهة المقابلة لبيت القتيل في شارع فاطمة نبوي بالزاوية الحمراء، تقطن أسرة الجاني، تجمعهما جيرة منذ 25 عاما بالحي، لم تدب الخلافات بينهما إلا بعد كبر أبنائهما، فالقاتل مطعون في سمعته بين الأهالي بتعمده إزاء الفتيات عند استقلاله “توك توك” في كل صباح “بيشدلهم الطرحة.. وبيضربهم”. يقول “عمرو. م”، أحد الجيران .
الصمت يطبق على الحي الشعبي قبل أن تدب خطوات السكان منطقة القصيرين، بينهم موظفون وطلاب وطالبات يشقون رحلتهم اليومية للعمل والدراسة كصباح كل يوم، لكن شقيقة المجني عليه هدى – اسم مستعار- تبدلت تفاصيل يومها بعد أن تعمد القاتل “يوسف” شد يدها خلال سيره بالتوك توك الخاص به، حاولت الفتاة مقاومته بالصراخ وإبعاد يده عنها، فظل ممسكا بها وكاد يوقعها أرضًا.
فك صاحب الـ16 عاما قيد الطالبة وفر هاربا بعدما تجمع عدد من الأهالي على صوت صراخها، وحاولوا تهدئتها والتخفيف عنها إلا أنها تركتهم وتوجهت مسرعة نحو شقيقها في محل الأدوات الكهربائية، أبلغته بما حدث بصوت متهدج ينذر بخوفها، فحاول أن يطمئنها وأغلق محله واصطحبها للمنزل.
روت الفتاة الواقعة لعائلتها، فأصر شقيقها ووالدها على معاتبة والد جارهم، إلا أن الأخير اعترض على اتهام نجله بالتحرش “ابني محترم.. ما يعملش كده أبدا”، ما جعل أَخَوَي الفتاة يتعاركان مع القاتل وأبيه انتقاما للتحرش بأختهما. قالها والد القتيل “خالد” .
أنهى قاطنو الحي الشجار بين العائلتين في تمام الواحدة من ظهر الاثنين الماضي دون إصابة أي منهما، ومن ثم عاد المجني عليه إلى مكان عمله، والباقون إلى منازلهم، لكن القاتل وعمه وأباه عادوا من جديد في الخامسة مساء إلى “عبد الرحمن” وشقيقه ووالده بعد أن تجمعا داخل المحل.
تعالت صيحات الأسرتين. “عبد الرحمن” يحاول فك قبضة يد والد القاتل من رقبة أبيه، وأخوه منشغل بالتناحر مع شقيق الجاني وعمه. في تلك الأثناء صعد “يوسف” إلى المنزل ونزع ملابسه، واستل سكينا، وجرى نحو المجني عليه مسددا له 3 طعنات جعلته يسقط على الأرض مغشيا عليه، والدماء تسيل من جسده.
فوجئ أهل الشاب بوقوعه، فهرولوا نحوه، ووضعوه داخل توك توك إلى مستشفى اليوم الواحد، وعند تسليمه لقسم الطوارئ أبلغوهم بعدها بدقائق أنه مات متأثرا بإصابته في الوجه والرقبة.
علم قسم شرطة الزاوية الحمراء بالجريمة، ببلاغ من المستشفى، فتوجه فريق من قوات الأمن نحو مكان الواقعة وعاينوه، وسألوا شهود العيان، حتى حددوا المتهمين بقتل الشاب، وبعد ساعات قليلة ألقوا القبض عليهم؛ يوسف ووالده وعمه وشقيقه، وأحيلوا للنيابة التي تولت التحقيق.
مصير قاتل “عبد الرحمن” أمام القضاء في حالة اتهامه بالقتل، سيكون من اختصاص محكمة الأحداث “الطفل”، كونه لم يتعد الثامنة عشرة من عمره، ولن يطبق عليه حكم الإعدام أو المؤبد حسب المادة 111 من قانون الطفل التي تنص على “لا يحكم بالإعدام ولا بالسجن المؤبد ولا بالسجن المشدد على المتهم الذي لم يجاوز الـ18 ميلادية وقت ارتكاب الجريمة”.
كما نصت المادة سالفة الذكر على أنه مع عدم الإخلال بحكم المادة (17) من قانون العقوبات المتعلقة برأفة القاضي في حكمه على المتهمين “إذا ارتكب الطفل الذي تجاوزت سنه خمس عشرة سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد يحكم عليه بالسجن، وإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن يحكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر”.