كورونا وشبكة الجيل الخامس
بقلم.د/علي عبد النبي
كورونا وشبكة الجيل الخامس
شبكة الجيل الخامس G5 هى شبكة جديدة للتليفون المحمول، وهى تكنولوجيا لاسلكية، وتتيح سرعة بيانات عالية جدا “جيجابت فى الثانية Gbps” مما سيسمح بتنزيل الأفلام عالية الدقة فى ثوان معدودة، وزمن الاستجابة منخفض للغاية، وموثوقية أكبر، وسعة هائلة، وزيادة فى الإتاحية، وهى أكثر تجانسا لعدد كبير من المستخدمين. فقد تم تصميم شبكة الجيل الخامس لعالم ستعتمد فيه مليارات الأجهزة على اتصال إنترنت ثابت. فهى واحدة من أهم لبنات بناء الاقتصاد الرقمى فى مجتمعات العقد القادم.
شبكة الجيل الخامس تستخدم عرض نطاق ترددى أوسع، فعرض نطاق شبكة الجيل الخامس هو 100 جيجاهرتز، فى حين أن عرض نطاق الجيل الرابع هو 3 جيجاهرتز. فهى ذات سعة عالية تستوعب توصيل جميع الأشخاص تقريبا، من خلال أداء قوى وكفاءة عالية، وستسمح للأجهزة بمعالجة حجم هائل من البيانات بأقل قدر من التأخير، والذى سيعزز الذكاء الاصطناعى.
إن شبكات اتصال الجيل الخامس هى تكنولوجيا لاسلكية تنقل البيانات عبر الهواء من أبراج خلوية إلى التليفونات المحمولة والأجهزة الأخرى، وبسرعات أكبر بكثير من التى نملكها اليوم. بحسبة بسيطة، نجد أن شبكة اتصال الجيل الخامس تقدم لمستخدميها سرعة أكبر بـ 35 مرة من الاتصال المتوفر فى منازلهم اليوم، فضلاً عن أنها تنتقل عبر الهواء وليس عبر سلك يتصل بالمنزل.
لاشكّ فى أن شبكات الجيل الخامس ستغير حياتنا بشكل كبير، فتكنولوجيا الجيل الخامس هى مستقبل لاقتصاد بمليارات الدولارات، وبمرور الوقت ، سيتأثر النشاط الاقتصادى بأكمله بالبنية التحتية لتكنولوجيا الجيل الخامس، مما يسرع التحول الرقمى للشركات، واعتماد قطاعات كثيرة على التكنولوجيا الجديدة، وبالتالي الثورة الصناعية الرابعة.
فمن خلال السرعات العالية والموثوقية الفائقة ووقت الاستجابة الضئيل، ستعمل شبكة الجيل الخامس على توسيع تطبيقات نظام التليفون المحمول إلى عوالم جديدة. ستكون العمود الفقرى لإنترنت الأشياء، مثال الروبوتات والذكاء الاصطناعى والمدن الذكية وتطبيقات الواقع الافتراضى، ووسائل النقل والانتقال الآمن ذاتية القيادة والتى تحتاج إلى كم كبير من البيانات للتحرك، والرعاية الصحية والعمليات الجراحية الروبوتية التى تجرى عن بعد، وفى المجال الزراعى، وفى مجال البنوك، والخدمات اللوجستية الرقمية – والمزيد – نعم هى حقيقة، فهى إنترنت الأشياء الضخمة.
على المستوى الشخصى، فشبكة الجيل الخامس يمكنها القيام بمجموعة متنوعة من الأشياء التى يمكن أن تغير حياتنا، بما فى ذلك منحنا سرعات تنزيل عالية، وهذا يعنى أنك ستتمكن من تنزيل أفلام عالية الدقة فى ثوان، وتنزيل موسيقى فى غمضة عين، ويمكنك تنزيل تطبيقات المتاجرة على الكمبيوتر المحمول تقريبا بنفس سرعة صب كوب من القهوة. وهى تتميز بزمن استجابة منخفض، ومزيد من السعة والاتصال لمليارات الأجهزة، خاصة فى مجالات إنترنت الأشياء (IoT)، والذكاء الاصطناعى (AI)، والواقع الافتراضى (VR)، تخيل حضورك حدث رياضى كبير أو حفلة موسيقية فى الوقت الحقيقى وجالس فى أفضل مقعد فى الصالة، ودون القيام من جلستك من على الكنبة فى منزلك. بل ويمكنك التسوق من متجرالشراء الأفضل الافتراضى، وذلك عبر سماعة رأس الواقع الافتراضى، حيث يمكنك فحص وشراء المنتجات أثناء جلوسك على الكنبة فى المنزل. ومن خلال الترجمة الفورية للغة، ستتمكن من الدردشة والتحدث بلغتك مع شخص يتحدث لغة مختلفة. وفى المستقبل غير البعيد، ستستخدم السيارات ذاتية القيادة شبكة الجيل الخامس للتواصل مع بعضها البعض على الطريق وإرسال تنبيهات فورية عند الاقتراب من مخاطر الطريق لتكون آمنا على حياتك خلال تحركك على الطريق.
شبكة الجيل الخامس ستقود النمو العالمى، فالاقتصاد الكامل لشبكة الجيل الخامس سيتحقق على الأرجح فى جميع أنحاء العالم بحلول عام 2035، وذلك من خلال دعم مجموعة واسعة من الصناعات، ومن المحتمل أن يصل الناتج إلى 13.2 تريليون دولار من السلع والخدمات من قيمة الناتج الاقتصادى العالمى. هذا التأثير أكبر بكثير من أجيال الشبكات السابقة. كما تتوسع متطلبات تطوير شبكة الجيل الخامس الجديدة لتتجاوز اللاعبين التقليديين لشبكات التليفون المحمول إلى صناعات مثل صناعة السيارات. ويكفى أن نقول: أن شبكة الجيل الخامس سوف تدعم أكثر من 22 مليون وظيفة جديدة فقط فى مجال مصنعى معداتها والمشغلين لها ومطورى برامجها.
أمريكا وكوريا الجنوبية والصين هى الدول التى تقود العالم فى بناء ونشر تكنولوجيا الجيل الخامس. وتتكيف الدول التى ترغب فى الحفاظ على قدرتها التنافسية فى الاقتصاد العالمى مع تكنولوجيا الجيل الخامس بوتيرة سريعة ومتزايدة. لكن السوق الأوروبية الموحدة تفتخر بمبادئ المنافسة العادلة وعدم الرغبة فى تفضيل أو رفض شركة بسبب أصلها الوطنى، خاصة عندما تكون منتجاتها تنافسية على مقاييس مثل السعر، مثل منتجات شركة “هواوى” الصينية الرائدة فى تصنيع معدات الاتصالات فى العالم، وهى من الشركات التى لها علاقة وثيقة مع حكومة الصين. وبسبب إمكانية الحصول على نفوذ جيوسياسى، فقد دعمت الحكومة الصينية جهود شركة “هواوى” بما يصل إلى 75 مليار دولار، لتقويض منافسيها الأوروبيين والكوريين الجنوبيين.
هل المبدأ الأمريكى “كسبنى وأكسبك”، سوف يطبق فى صراع تكنولوجيا الجيل الخامس، وهى التكنولوجيا التى فى طياتها مشاريع مستقبل لاقتصاد بمليارات الدولارات ؟. بطبيعة الحال أمريكا تتمنى أن تكون الفرص الضائعة فى هذه التكنولوجيا أقل ما يمكن، ولن تترك الفرصة للصين لكى تسيطر على السوق الأمريكى الشمالى، أو سوق الدول الأوروبية الحليفة، وكذلك سوف تعمل للحد من انتشار التكنولوجيا الصينية عالميا، وحتى لا تصبح الصين قوة عظمى مسيطرة على السياسة الاقتصادية العالمية. وبذلك فقد بدأ صراع الهيمنة على شبكة الجيل الخامس بشكل جدى بين أكبر اقتصادين فى العالم، هما “أمريكا والصين”.
يخشى الكثيرون فى مؤسسة الأمن القومى الأمريكية من أن المعدات التى تنتجها شركة “هواوى” قد تسمح للصين بالتجسس وسرقة أسرار تكنولوجية وتجارية وبراءات اختراع واستخراج بيانات حساسة. أو يمكنها استخدام فيروسات قتل مخفية تستطيع إعاقة أنظمة الاتصالات الغربية أثناء نشوب حرب حقيقية. مجرد التهديد بهذا النشاط من شأنه أن يمنح قيادة الصين نفوذا جيوسياسيا فى جميع الأوقات. هذه النقاط، هى الأعمدة التى اعتمد عليها “ترامب أمريكا” فى منع شركة “هواوى” من دخول الأسواق الأمريكية. كما قامت أمريكا وحذرت حلفاءها من التعامل مع “هواوى”، لكن بريطانيا والاتحاد الأوروبى قررا السماح لشركة “هواوى” بدور محدود فى بناء أبراج شبكات الجيل الخامس على أراضيها.
انبح صوت “ترامب أمريكا” ووزير خارجيته “بومبيو” فى إقناع الدول الأوروبية للبعد عن تكنولوجيا الجيل الخامس الصينية، لكن كانت هناك نظرة ساخرة من الدول الأوروبية على الموقف برمته، والتى مفادها أن أمريكا ليست جادة بشأن الصين كتهديد للأمن القومى الأمريكى، ولكنها تعتبر الصين فى الغالب منافسا اقتصاديا لأمريكا. إلى أن جاء فيروس كورونا وقلب الموازين، وبسبب عدم شفافية الصين ومحاولاتها التستر على انتشار الفيروس فى مدينة “ووهان”، أصبح حلفاء أمريكا يميلون إلى موقف أمريكا ويساندونها فى موقفها ضد الصين.
وأول من اتخذ موقفا ضد الصين كانت بريطانيا، وقالت إن الأمور لن تسير مع الصين كما كانت قبل انتشار فيروس كورونا. وبدأت تظهر منشورات تؤيد نظرية المؤامرة، والتى ربطت بين شبكة الجيل الخامس وانتشار فيروس كورونا. وبدأ الناس فى بريطانيا وهولندا وقبرص وعديد من الدول الأوروبية بإحراق أبراج شبكات الجيل الخامس، ومنع استكمال بناء الشبكة.
نظرية المؤامرة تتلخص فى الآتى: هناك من يقول أن ترددات الموجات الكهرومغناطيسية التى تصدر من أبراج الشبكة تضعف مناعة الجسم، وبذلك انتشر الفيروس بسرعة. والبعض يقول أن الفيروس ينتقل بين الأشخاص من خلال ترددات الشبكة، ويدللون على ذلك بنظرية أن الفيروس بدأ فى مدينة “ووهان”، وهى المدينة الصينية التى بدأت فى تشغيل شبكة الجيل الخامس.
نود أن نوضح أن ترددات الشبكة وهى موجات كهرومغناطيسية لا ينتقل من خلالها الفيروسات. أما بخصوص أن أبراج الشبكة تضعف مناعة الجسم، نقول: أن تردد موجات شبكة الجيل الخامس ذات نطاق أقصر من موجات الأنظمة السابقة، ما يعنى الحاجة إلى مزيد من الهوائيات، وعلى مسافة أقرب من الأرض. وليس من المعلوم بعد كيف سيكون تأثير هذا على الصحة العامة، وحتى الآن فإن الدراسات لم تسفر بعد عن أدلة واضحة على تأثيرها على الثدييات أو الطيور أو الحشرات، لكن يرى كثيرون أنه كلما دعت الحاجة إلى مزيد من الهوائيات، تزداد المخاطر الصحية.
أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى، لكم منى أجمل وأرق التحيات.