النور الذي كشح السواد عن البشريه بدا بنزول الوحي.
غار حراء الذي كان يتعبد فيه أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم في قمة جبل النور بمكة … من هذا المكان شع نور الإسلام ليضئ الكون.«الإمام أحمد والشيخان عن ابن عباس قال أُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة»
حيث نزل وحي السماء جبريل عليه السلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- هي أُمّ المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها-، فتقول -رضي الله عنها-: “أول ما بُدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء؛ فكان يأتي غار حراء
وتبدأ قصة الوحي عندما دخل جبريل -عليه السلام- على النبي -صلى الله عليه وسلم- في هيئة رجل. ودخول رجل على رجل ليس مفزعًا رغم أن الرجل غريب، ولا يعرفه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن لماذا فزع النبي -صلى الله عليه وسلم- لما . تروي السيدة عائشة -رضي الله عنها- فتقول: “دَخَلَ عَلَيْهِ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ”. هكذا بدون مقدمات ولا سلام ولا كلام، لم يُعرِّف نفسَه، ولم يسأل الرسول عن نفسه. يخاطبه وكأنه يعرفه من زمن، ويقول له اقرأ، والرسول لا يدري أي شيء يقرأ؛ فالرسول أُمّيّ؛ لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وهو يقول له اقرأ؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: “مَا أَنَا بِقَارِئٍ”. لم يسأله الرسول -صلى الله عليه وسلم- مَن أنت؟ وماذا تريد؟ فقد بُهت بدخوله عليه فجأة، وقوله له اقرأ. قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “ما أنا بقارئ”. ففوجئ برد الفعل الذي أفزع الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ اقترب هذا الرجل من الرسول، ثم احتضنه بشدة. يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي (احتضنني) حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ”. والرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن ضعيفًا، بل كان قوي البنية. وكل الرسول الكريم: “ثم َقَالَ اقْرَأْ (للمرة الثانية)، قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ (المرة الثالثة). فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فقال: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي”.
وهنا نقف؛ فما هي الحكمة من الشدة والقوة في التبليغ؟ ذلك ليعلم -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يحلم، وأنه يعيش واقعًا حقيقيًّا، وأن الذي سيُتلى عليه الآن يحتاج إلى تركيز ووعي، وكأنه يقول له: “لست تحلم يا محمد؛ هذه حقيقة”. ثم قَالَ له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
روي النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الموقف الغريب الذي حدث له للسيدة خديجة -رضي الله عنها-، وما قيل له، ثم قال لخديجة: “لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي”.
والسيدة خديجة تعي دور الزوجة تمامًا؛ فعملت على تهدئة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فهي مثال الزوجة المؤمنة؛ فهي سكن، ومصدر طمأنينة لزوجها. ولم تشأ هذه المرأة العاقلة الكاملة أن تترك النبي -صلى الله عليه وسلم- للأوهام والضلالات، وفضلت أن تذهب إلى أهل العلم والدراية؛ فذهبا إلى “ورقة”. تقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: “فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امرأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهليَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ. وكان ورقة يعلم أن نبيًّا سيخرج في آخر الزمان، وكان ورقة ينتظره؛ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ (وكان يعرف أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وصفاته الحميدة): يَا ابْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى”.
عرف ورقة بن نوفل أن هذا جبريل عليه السلام، وهو لا ينزل إلا على الأنبياء؛ إذن محمد -صلى الله عليه وسلم- أصبح رسول الله. وتخيل كَمّ الأحاسيس والمشاعر التي جاشت في صدر النبي -صلى الله عليه وسلم