الصبر عند الصدمه الاولي والتسليم لقضاء الله
كتبت /عفاف كمال الدين
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ” صدق الله العظيم
يقول تعالى : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فالوفاة هي خروج الروح من الجسد، ونحن لا ندرك تمامًا ما علاقة الروح بالجسد، هل الروح بداخل الجسد أم حول الجسد أم جزء داخل الجسد وجزء حوله ؟ لا نعرف {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فعلمنا قليل، وحاول الماديون كثيرًا أن يصلوا إلى وزنها وإلى شكلها بالأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية ولم يصلوا لشيء، لكن على كل حال ليس هذا هو الإشكال؛ الإشكال أن هناك وفاة؛ فما معنى الوفاة؟ علاقة الروح بالجسد إما أن تغادر الروح الجسد ، وقد تغادر الروح الجسد مؤقتًا؛ وهذا يتم عند النوم، وإما أنها تغادر الروح الجسد فراقًا طويلًا؛ وهذا هو الذي يُحدث الموت، إذًا هناك وفاة عند النوم، وهناك وفاة عن الموت، عن النوم تغادر الروح الجسد مؤقتًا وترجع مرة أخرى إلى الحياة المعيشة، وهناك عند الموت تغادر الروح الجسد ولا ترجع إلا إلى يوم الدين {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}.
سبحانه وتعالى قضى في العلاقة بين الروح والجسد مرتبتين : مرتبة النوم ،ومرتبة الوفاة؛ ولذلك نجد في الأثر «الناس نيام
فإذا ماتوا انتبهوا»، كأننا في حالة نوم فعندما تغادر الروح
الجسد مغادرة نهائية مغادرة طويلة تنتبه الروح ، وهذا يُسلي
قلب من أصيب في أبنائه أو في عزيزٍ لديه ؛إن الروح باقية
وأنها في حالة أسعد من الحالة التي كانت في الجسد ، الفراق عزيز «إن العين تدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول ما يغضب الله» لكن هذا أمر الله فماذا نفعل ؟ الصبر {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ، هذا الصبر الجميل ما مبناه ؟ إن الروح ليست فانية، وإنه يسمعني الآن، ولذلك كان أولياء الله الكبار يحدث لهم أحوال من إدراكهم الشديد وإيمانهم الشديد بالحقيقة ؛إن الروح عندما تُغادر وتترك الجسد هي في الحقيقة تتحرر من قيود الدنيا، ومن قيود الجسد، ومن كثافة هذا الجسد، في القصص أن الشبلي في مرة من المرات، مات ابن له فضحك. سألوه: ابنك مات لماذا تضحك ؟ قال: أضحك لما أعد الله لي من الخير في الجنة عندما جعل ابني يسبقني، فيأخذ بيدي يوم القيامة ويجعله شفيعًا لي.
وهذا سيد الخلق سيدنا محمد ﷺ يموت ابنه فلذة كبده حبيبه إبراهيم، فتراه يقول ﷺ: «إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزنون، ولا نقول ما يغضب الله سبحانه وتعالى».
ويرشدنا رسولنا الكريم أن القلب ليحزن، وأن العين لتدمع؛ إذًا فهذا الدمع لا ينقص من التوكل ولا التسليم ولا الرضا، ولكن القلب محزون، ومحزون من أجل الفراق .هذا هو الحال العالي.
ما هذا الذي فعله رسول الله ﷺ ، وما هذا الذي فعله الشبلي؟
رسول الله ﷺ أرقى وأعلى؛ لأنه عندما مات الولد فإن هذه علامة من عند الله سبحانه وتعالى، للفاهمين للعارفين أن الله يريد مني الحزن الآن {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ}. الحال الكامل هو لم يحزن جزعًا، ولم يحزن تبرمًا، ولم يحزن رفضًا لأمر الله في الكون، بل بالعكس يحزن؛ لأن الله قد أخذ ولده الآن، ومعنى هذا أنها رسالة من الله أنه عندما يأخذ الله الولد يحزن قلب الأبوين خاصة الأم، فهو كأنه يقول لي: احزن الآن، فامتثل لأمر الله، فحزن، وعندما يحزن القلب تفيض العين بالدمع.
إذن حال سيدنا رسول الله ﷺ هو الأعلى، وإن كان حال الشبلي هو حال من الأحوال؛ لكنه حال المتدني التابع وليس حال المتبوع عليه الصلاة والسلام. الذي هو قمة الرقي الإنساني العالي لأنه موافق لشكل عموم الناس.فعلينا الصبر وان كان شاقا
اللهم هب لنا منك دواء يذهب منا كل داء
وامنحنا قوة في الأخذ وسعة في العطاء … وهمة في القصد … ويقظة في الدعاء … وقوة في الصبر على البلاء … وكمالا في الرضاء بالقضاء … وسعة الصدر في معاملة الخلق … ومبادرة بالتوبة قبل فوات الأوان … وجمال الستر في الحياة عند الموت … وسعة القبر عند الوفاة … وسعة المغفرة عند الحساب … ونور وجوهنا بالحياء … ولا تخزنا يوم العرض واللقاء ، اللهم أغفر لنا ولوالدينا ولكل من له حق علينا.
(نسأل الله للمستشار احمد عارف واسرته الصبر والسلوان) وأن يبعد عنهم وعنا جميعا المصائب كلها، وأن يُسلي قلوبهم و قلوبنا عند نزولها.