خواطر حول الإسراء والمعراج وتفسير معني الشجرة الملعونه
كتبت / عفاف كمال الدين
الغريب أن سورة الإسراء أوضحت الأماكن التى زارها الرسول فى الأرض كاملة منذ رحلته من المسجد الحرام فى مكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، ثم أوضحت سورة الإسراء أحد الأماكن التى رآها الرسول فى رحلة المعراج إلى السماء، وهى الشجرة الملعونة فى القرآن، ما هي الشجرة الملعونة فى القرآن ؟
اختلف المفسرون في فهم كثير من الآيات القرآنية، دون الخروج بها عن المباحث الروائية، كقوله تعالى في سورة الإسراء: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً) .
يقول الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لآية الإسراء : (وأما الشجرة الملعونة) : فهي شجرة الزقوم ، وهي طعام أهل النار، كما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج، أنه رأى الجنة والنار ، ورأى شجرة الزقوم، فكذبت قريش بذلك، حتى قال أبو جهل : هاتوا لنا تمرًا وزبدًا، وجعل يأكل من هذا ويقول : “تزقموا فلا نعلم الزقوم غير هذا”.
ويقول رأي آخر، أننا لو عدنا إلى الشجرة الملعونة في القرآن نجد أن الآراء التي ذهبت يميناً وشمالاً لن تفلح في تحديد مدلول تلك الشجرة لأن هذه الشجرة وصفت بأنها ملعونة واللعن لا يمكن أن يوصف به النبات أو الجماد حيث أن هذا الوصف لا يطلق إلا على العاقل، من هنا نفهم أن دلالة المعنى الحرفي للشجرة بمعناها الجذري المتمثل بالتداخل والتشابك لغة لا ينطبق إلا على كل من غضب الله عليهم بدليل لام الاستغراق الذي في القرآن
ومع أن جماهير المفسرين يرون أنّ الشجرة الملعونة هنا هي شجرة الزقّوم، يرى الشيعة أنّ الشجرة الملعونة هم بنو أمية، ويستندون في ذلك إلى حديث ضعيف ينص على: ” أنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، قد رأى في المنام بني الحكم، يَنزون على منبره كما تنزو القرود، فأصبح كالمتغيظ…”. والتشيّع واضح في الربط بين هذا الحديث والآية الكريمة.
وتأمل كلمة «أريناك» فى سورة الإسراء، ثم تأمل سورة النجم التى تؤكد رؤية العين البشرية فى الإسراء والمعراج معاً وليس حلماً أو رؤية نائم. إن إصرار سورة النجم على استخدام تعبيرات بشرية فى وصف رحلة المعراج تؤكد أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قد صعد بجسده وروحه ونفسه معاً، فقد صعد إلى الأفق الأعلى، أى آخر مستويات فيما بعد الكون المخلوق عند العرش الخالق، ولكى يستطيع النفاذ إلى السماء كان لا بد من احتراق نجم بالكامل، نفهم من الآية أن النجوم لا تتساوى فى وظائفها، فهذا نجم بوابة غير الثقوب السوداء التى تحرق أى كوكب، أو نجم يحاول النفاذ منها، ويبدو أنها المقصود بها «لا ينفذون إلا بسلطان»، أى بإذن من الله، وقد أذن الله لمحمد أن يخترق عنان السماء دون أن يحترق!
ثم يؤكد أنها أول مرة وآخر مرة يصعد فيها بشر لهذا المستوى، فهى مرة وحيدة «ذو مرة»، وقد رفع الرسول قائماً واقفاً لم يهو بحكم غياب الجاذبية، وإنما واقف مستوٍ عند الأفق الأعلى، وكأنه على الأرض بجاذبيتها، وهذه هى المعجزة الحقيقية، ويؤكد العلم الحديث القرآن بأن من يصعد للسماء خارج جاذبية الأرض يتدلى، كما نرى رواد الفضاء معلقين بلا جاذبية، وتأمل بعدها تأكيد رؤية العين البشرية بالبصر العادى، كما أكدتها سورة الإسراء فى الرؤية «التى أريناك»، تكمل سورة النجم هذا المعنى البصرى المادى ٣ مرات متتالية «ما رأى» آية ١١، أى رؤية بنفسه وبعينه، ثم «ما يرى» آية ١٢، أى رؤية العين، ثم «ولقد رآه» آية ١٣، مؤكدة رؤية الرسول بعينه البشرية لسدرة المنتهى وجنة المأوى دون خيال أو حلم أو زغللة عين «ما زاغ البصر وما طغى» آية ١٧، أى لم يتخيل، ثم ختام التأكيد مرة خامسة «لقد رأى» آية ١٨، الآية الكبرى هى السر الإلهى أن محمداً هو الكائن الوحيد بين الملائكة والجن والبشر الذى رأى الله جهرة، وهى أكبر الآيات التى لا أكبر منها، وتأمل وصف القرآن «الكبرى»، أى التى لا آية أكبر منها، إذ إننا نرى الله ونكلمه كمؤمنين صالحين يوم القيامة، أما الرسول، صلى الله عليه وسلم، فهو الكائن الوحيد الذى رأى الله جهرة قبل القيامة، ولم تكتب لسيدنا موسى حينما طلبها ونظر إلى الجبل فجعله دكاً.
وتأكيداً لهذه الرؤية المباشرة لمحمد النبى الأمى أن كانت سنة الحبيب المصطفى فى الصلاة، أياً كانت فرضاً أو سنة، تخلد هذا الحوار المنفرد الذى حدث مرة واحدة فقط ولكائن بشرى واحد فقط، فكان الحديث بترتيبه كما قيل: الرسول صلى الله عليه وسلم: التحيات لله والصلوات والطيبات، فجاء الرد: السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته، فرد النبى: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فجاء الطلب أن تكون التحيات تصحبها رابطة محمد، حبيب الله، بإبراهيم، خليل الله، فكان استكمال الحوار، ولله المثل الأعلى بل قل يا محمد أيضاً اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وهنا الحوار يشير إلى أن الله وضع سيدنا محمداً فى مكانة الخليل، بالإضافة إلى مكانتى الحبيب والخاتم للمرسلين، فيرد الرسول، صلى الله عليه وسلم، بالثناء على الله: إنك حميد مجيد، فيكون التوجيه والتكريم مزيداً من التفضل الإلهى على حبيبه، وقل يا محمد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فى العالمين إنك حميد مجيد، والمباركة فى العالمين تعنى كل عوالم الجن والإنس والملائكة أو عالم الغيب وعالم الحاضر أو عالم السماوات بمن فيها وما فيها، وعالم الأرض التى عاش فيها إبراهيم ويعيش فيها محمد آنذاك، سواء كانت رقعة مباركة مثل البيت الحرام الذى رفعه إبراهيم وطهره محمد فارتبط باسمهما توحيد الله فى بيته المعمور، صلوات الله عليهما وعلى أنبياء الله المرسلين.
الرؤية السادسة للرسول لم يصفها القرآن بالآية الكبرى، ولكن وصف ذلك فى رؤية الله، أما سورة الإسراء فقالت «لنريه من آياتنا»، أى فقط زيارة وصلاة فى المسجد الأقصى، واعتبر القرآن أن هذه ليست معجزة، متنبئاً أن البشر سيركبون الطائرات ليصلوا بأسرع وقت من مكة إلى القدس إن شاء الله قريباً، أما الآية الكبرى أن تصعد لسدرة المنتهى التى تغير الكون كله، وتغيرت سدرة المنتهى ليستطيع الرسول أن يصل إليها، حيث لم يصل إليها جبريل الملاك وإلا احترق، وقال لو اقتربت لاحترقت، «إذ يغشى السدرة ما يغشى»، لكى يستطيع الرسول الوصول إليها.