( هل أنت فهلوي ؟) الحلقة الثانية من سلسلة بناء الشخصية المصرية بقلم د. عبد العزيز سعد
محاضر دولي ومستشار نفسي وتربوي
سلسلة حلقات بناء الشخصية المصرية
الحلقة الثانية: هل أنت فهلوي؟
في الحلقة الماضية بعنوان: (أما آن الأوان؟) تكلمنا على ضرورة العمل المؤسسي الفوري الجاد والدؤوب على إعادة بناء الشخصية المصرية، ولكي يتسنى لنا ذلك لابد أن نتعرف على أهم السمات التي تميز الشخصية المصرية بين الماضي والحاضر وما آلت إليه من صفات لابد أن نقف أمامها صادقين وواقعيين، محللين ومتعمقين، لا مهولين ولا مهونين حتى يمكننا أن نتغير للأفضل إن أردنا ذلك!.
بقلم: عبدالعزيز سعد
إن جاز لي أن أسألك كقاري: “هل أنت فهلوي؟” فلابد أن أوجه نفس السؤال لنفسي أولا! ولكي نعرف الإجابة دعنا نوصف من هو الفهلوي؟
الفهلوي كما حدده الدكتور حامد عمار في كتابه: ” في بناء البشر: دراسات في التغير الحضاري والفكر التربوي ”
1- شخص لديه قدرة فائقة على التلون مع الموقف ونقيضه، حسب ما يقتضيه الحال وما يتطلبه الموقف وهو قادر على أن يعيش في أي ظروف ويتعامل مع أي شخصية، ويتباهى بأنه يستطيع أن يلاعب ” الجن الأحمر ” ويعايش ” ملائكة السماء والأرض ” دون أن يجد في ذلك غضاضة.
2- شخص يبالغ في إظهار قدرة فائقة وتأكيد الذات ناجم عن فقدان الطمأنينة، وعدم القدرة أيضا على تقدير المواقف تقديرا موضوعيا، وإحساس داخلي بعدم الكفاءة، وشعور بالنقص أمام المواقف يحاول إخفاءه بالتهكم على الآخرين، أو بادعاء المقدرة الخارقة على حل العقد بما يشبه المعجزة، وإنجازها فورا، أو عمل كل شيء بالإصبع، أو حل المعضلة بجرة قلم.
3- شخص ذو علاقة ملتبسة مع السلطة، فالفهلوي لديه مبالغة شديدة في التفخيم (بيه وباشا، سعادة الباشا، معاليك وجنابك وسيادتك)، ويلجأ إلى طقوس زائدة عن الحد للتعبير عن الاحترام، ويخفي كل ذلك الشعور بالامتعاض، ويعبر عنه أحيانا بقوله: ” فلان عامل ريس ” أو” عايش في الدور “. فالفهلوي ينظر إلى السلطة على أنها قوة قاهرة يذعن لها إذعانا لما تبعثه في نفسه من الهيبة والخوف.
4- شخص يتهرب من المسئولية ويسقطها على الأخرين: إن أهم الأسلحة التي تتزود بها شخصية ” الفهلوي ” هى عملية ” الإسقاط ” لكى يزيح المسئولية عن نفسه ويلقيها على غيره من الناس، أو على ظروف خارج نطاق الذات تبرر ما يقع فيه من مواقف الخطأ أو التقصير. ومن مظاهر الإسقاط الواضحة كثرة الشكوى من الزمان والتبرم من كيد الآخرين وإلقاء التبعة في كل مشكلة على ” الحكومة ” أو على “البلد” أو على ” الإدارة ” , أو أى قوة أخرى غير الشخص أو الجماعة المسئولة.
5- الفردية وغلبة ال” أنا “، وعدم التوافق مع العمل الجماعي، وليس هذا من قبيل الأنانية لمجرد الأنانية , ولكنه تأكيد للذات من ناحية , وانصراف عن احتكاك الذات بغيرها من ناحية أخرى مما يعرضها لمواقف تنكشف فيها حقيقتها، أو تذوب فيها شخصية الفرد في شخصية الآخرين . ويضاف إلى ذلك جذور العصبيات القبلية والعائلية، ونقص التربية الاجتماعية.
6- شخص يدعي المعرفة، حيث لا يستطيع أن يقول لا أعرف لأي شيء، وكأنه عالم في كل مجالات الدين والحياة في آن واحد، يفتي في كل شيء ويدلي برأيه ويفسر كل الأمور من منظوره وهواه.
7- شخص يريد الوصول إلى الهدف أو الغنيمة بسرعة ومن أقصر الطرق دون الاعتراف بالمسالك الطبيعية، ولذلك يبحث الفهلوي دائما عن وسيلة تجعله يقفز على المراحل، ويتخطى الحواجز، باللجوء إلى الكذب أو التزوير أو الوساطة , أو الرشوة أو الغش , فإذا وجد أنه لن يصل إلى الهدف إلا بالطريق الطبيعي كغيره، وأن هذا الطريق يحتاج إلى المثابرة والصبر واتباع خطوات لابد منها , فإن الحماس للعمل ينطفئ في لحظة.
ولكي نقول بفِم مليان أن هذا الشخص “فهلوي”: (وهي صفة سلبية وليست شطارة كما يعتقد أو يروج الكثيرون) فلابد أن تظهر كل هذه السمات أو أغلبها في تصرفاته في أغلب المواقف، فقد يتصرف أحدنا بفهلوة بشكل نادر وفي مواقف استثنائية، وهنا لا نستطيع أن نصفه بالفهلوة.
و قد ترى شخصية الفهلوي وقد انشقت عنه الأرض وأنت تركن سيارتك بجانب الرصيف، وقد ترى الفهلوي في أي مكان وهو يقول لك بشكل سمج وثقيل ” كل سنه وانت طيب يا بيه ” , أو يقول لك وأنت عائد من المطار ” حمدا لله على السلامة يا بيه ” , ومن كثرة ما ترددت هذه الكلمات في مثل هذه الظروف وبهذه الكيفية من هؤلاء الأشخاص أصبحت ذات مدلول سلبى يجعلك تكره سماعها.
كما تجده عندما يختلق قصصًا ويفبرك أوراقَا ليحصل على حق ليس من حقه بداية من التسول ونهاية إلى الحصول على المنح والمساعدات أو حتى التوظيف
والفهلوي تراه عند شبابيك تجديد رخص السيارات في إدارات المرور، وترى أخاه الفهلوي الآخر يعمل ساعيا أو عامل بوفيه في أي مصلحة حكومية حين يصطادك لحظة دخولك ويعرض عليك تخليص أو تسهيل المهمة.
وقد ترى الفهلوي الصغير وهو يحاول الغش والتحايل بكافة الوسائل في الاختبارات ويحصل على حق ليس من حقه ومكان ليس بمكانه، ثم تجده يحصل على شهادات عليا ودورات تدريبة ليس له حظ منها سوى اسمها، وقد يصل الأمر إلى شهادات الدكتوراه أو حتى أبحاث الأستاذية، على حساب أصحاب المهارات والكفاءات الحقيقية، فلم يحصل أديسون على الدكتوراه، ولكنه كان عالما أضاء بعلمه الأرض كلها، ولم يحصل العقاد من الشهادات سوى على الابتدائية، لم يجرؤ أصحاب أعلى الشهادات على أن يشبه نفسه به.
وقد ترى الفهلوي وهو يتملق إلى رؤسائه ويوشي بزملائه حتى يحصل على العلاوات والترقيات والامتيازات، وقد تجده وهو يتقاضى راتب أو يحصل على مكافأت على عمل لم يقم به أصلا.
وقد تراه وهو يرفع تقارير بأن الأمور على ما يرام وكله تمام يا سعادة الريس ليحافظ على كرسيه ومنصبه، ليأتي المسؤول بعد ذلك ليدلي بتصريحات بعيدة كل البعد عن الحقيقة ولا تمت للواقع بصلة، ولأنه هو أيضا فهلوي فلا يكلف نفسه بالتحقق منها لأنها تسير على هواه.
كما نراه في المراكز الوظيفية العليا حين يتلاعب رؤساء مجالس إدارات الشركات بالأرقام ويحولون خسائرهم إلى مكاسب ويوهمون الآخرين وربما أنفسهم بتحقيق إنجازات عظيمة، ويتصورون أن للكلام تأثير يساوى الفعل فيضعون هذا محل ذاك , وحين تتكشف الأمور ويحدث الانهيار يلجأون للتبرير والتهرب من المسئولية والبحث عن كبش فداء من صغار الموظفين.
وحين يبرز كبار المسؤولين وقت التكريم والاحتفال بالإنجازات للتصوير وأخذ اللقطة على حساب أصحاب الإنجاز الحقيقيون، ناسبين لأنفسهم حق ليس لهم وفضل هو لغيرهم.
وتظهر الفهلوة واللف والدوران بشكل صريح وفج في فترة الانتخابات حيث تجد الإعلانات المليئة بالأكاذيب والنفاق والوعود البراقة، وتصل الفهلوة إلى بعض الدعاة والأدعياء حيث يميلون إلى تملق السلطة.
وفي المجال الاقتصادي يظهر الفهلوي في صورة مستثمر يقترض أموال البنوك أو “مستريح” يجمع أموال الناس تحت أي مسمى استثماري , ويعطى ضمانات وهمية ويؤسس شركات ورقية , وينشر ميزانيات خادعة ثم يهرب إلى الخارج وقد سبقته الأموال عبر البنوك لكى ينعم بها هناك ، ثم تجده عندما يدفع الرشاوى أو يستغل نفوذه للحصول على أراضي وامتيازات هي ملك للشعب، ومن هنا تقلصت وضعفت قيم العمل الجاد الذؤب , وحل محلها قيم الكسب السريع بدون جهد وفي أقصر وقت ممكن وبأي وسيلة، وهناك من يمكنهم من أخذ الفلوس ثم يمكنهم بعد ذلك من الجري طالما هو سيأخذ عمولته ويكون في الخلفية بعيدا عن المحاسبة .
وفي الإعلام على عكس الدور الحقيقي له نجد سلوك الفهلوة قد شوه صورته حين سوق لخطاب إعلامي مزدوج ومزيف، يروج للأكاذيب، ويمدح ويهلل لكل صاحب سلطة ويمجد فيه وربما يقدسه، ويلمع أنصاف الموهوبين ويفرضهم على الناس، ويصنع نجوما وقيادات من ورق ويسوقها للجماهير المخدوعة بالبريق الإعلامي والإلحاح المتكرر، وبهذا يصبح الإعلام أداة ترويج وتدعيم لوباء الفهلوة، بل إنه يعطى لسلوك الفهلوة شرعية واحتراما على أنه سلوك مقبول وأنه ينم عن ذكاء وحسن تصرف، وتقدير للأمور، ومراعاة للظروف. والإعلام المزيف يعطى للناس دروسا عملية ومهارات في لبس الأقنعة والتزييف، وتصبح الأصوات الصادقة والأصيلة والأمينة نشازا في هذا الوجه أو يصبح صوتها خافتا ضعيفا وسط جوقة التهليل والتزييف.
وعلى المستوى الفني يكفي أن تتابع السينما أو الدراما المصرية لتكتشف أنها في معظمها مليئة بوسائل اللف والدوران والالتواء، وادعاء القدرة بلا قدرة، والاحتيال، والخداع، والمبالغات، والسخرية، وازدواجية الخطاب ، باختصار تجد نفسك أمام سمات الفهلوة المصرية في قالب فني بشكل يجعلك تألف هذه الأساليب وتتمثلها بشكل لاشعوري. وفنون الكوميديا تفوقت على سائر الفنون في إبراز سمات المصري الفهلوي في قالب ساخر ظريف به الكثير من المبالغات والمفارقات التي تبرز السمات الفهلوية وتغرسها بشكل لا إرادي عن طريق برمجة الدماغ.
والأن أصبح لديك مسطرة تستطيع أن تقيس بها مقدار الفهلوة في الأشخاص الذين تتعامل معهم أو حتى في نفسك.
والسؤال الأن: هل يكمننا أن نقول بأن الفهلوة هي اللفظ المرادف للفساد؟
والسؤال الثاني: ما أسباب انتشار الفهلوة بهذا الشكل في المجتمع المصري؟
انتظروني في حلقة جديدة من حلقات بناء الشخصية المصرية …
تحياتي: عبدالعزيز سعد