“الشيطان والخادمة”.. حكاية مقتل “العجوز الكويتي” في الحي الراقي
منذ الوهلة الأولى لدخولها شقة العجوز الكويتي في الحي الراقي، وقفت مشدوهة، تنقلت ببصرها بين غرفة وأخرى، مظاهر الثراء بدت جلية سواء قطع الأثاث أو الستائر والأجهزة الكهربائية. مشاعر الحرمان سيطرت عليها، حاجتها للمال دفعتها للتفكير في التخلص من الضائقة المادية التي تعاني منها وأسرتها بينما يتردد صدى سؤال وحيد بداخلها: “أنا ليه مايبقاش عندي زي ده؟!”
قبل 25 سنة، قرر رجل أعمال يحمل الجنسية الكويتية شراء شقة سكنية في “قاهرة المعز” وتحديدا في حي العجوزة الراقي لتكون مقرا لإقامته خلال فترة تواجده بالبلاد، إذ اعتاد المكوث شهر من كل عام يقضيها ما بين الاستجمام والترفيه وإجراء فحوصات طبية شاملة، وتعمل ربة منزل على خدمته طوال تلك الفترة.
على مدار عقد ونصف “15 سنة” عملت السيدة البسيطة كخادمة لدى مالك الشقة الكويتي، حظيت على إثرها باحترامه وثقته خاصة أنها كانت تجدها فرصة جيدة لتحسين دخلها الشهري؛ لتوفير احتياجات أسرتها، في الوقت الذي لم يبخل مخدومها عليها بشئ ملبيا طلباتها.
العام الماضي، حضر صاحب الـ80 عامًا لقضاء إجازته السنوية في القاهرة، تلقى خبرا غير سار، أخبره حارس العقار بوفاة خادمته الأصيلة، ليقدم واجب العزاء لأبنائها الثلاثة (سيدتين – رجل) لتطلب منه “ع.م” أن تحل مكان والدتها لمساعدة شقيقها في مصروفات المنزل، الطلب الذي لاقى ترحيب العجوز.
مظاهر الترف جذبت الفتاة الثلاثينية، أحلام اليقظة راودتها بأن تسكن في شقة مماثلة، تحوي أجهزة حديثة ووسائل الراحة، تتساءل عن وريث كل هذا إذ يقيم مخدومها الذي بلغ من العمر أرذله بمفرده، ليوسوس لها “إبليس” بأنها على بعد خطوات للعبور من ويلات الفقر.
طوال طريق عودتها من العجوزة إلى مسكنها، لم تتوقف “ع.م” عن التفكير، وساوس الشيطان تتدفق واحدة تلو الأخرى حول السبيل للخلاص من الضائقة المالية التي تعاني منها أسرتها.
لم تتردد “ع.م” في قص شريط الحديث مع شقيقها “ر.م” وأختها “ح.م” حول ما يدور في خلدها، فوجئت بموافقة الاثنين خاصة الأول الذي اختمرت في ذهنه خطة لإنجاز الأمر دون أن ينكشف أمرهم.
مساء الأربعاء الماضي، كانت “ع.م” متواجدة داخل شقة مخدومها تنجز بعض المهام المنزلية، يتنامى إلى مسامعها صوت جرس الباب، أسرعت لمعرفة هوية الزائر، إلا أنها فوجئت بـ3 أشخاص دفعوها بقوة إلى الداخل، وقيدوها بـ”إبزيم” ومن بعدها مالك الشقة الذين وضعوا على فمه لاصقا طبيا حاول مرات عدة إزالته طلبا للنجدة من الجيران ما دفع الثلاثة لكتم أنفاسه للأبد، واستولوا على مبلغ مالي عملات أجنبية ومحلية وهاتفه وهاتف الخدامة، وفروا هاربين.
الثانية عشرة منتصف الليل، أبلغت الخادمة شرطة النجدة التي أخطرت العميد أيمن الجيار مأمور قسم العجوزة، وكشفت معاينة المقدم مصطفى خليل رئيس المباحث أن الجثة لشخص يحمل الجنسية الكويتية في العقد الثامن من العمر، يرتدي ملابسه كاملة، مكبل اليدين والقدمين وملاحظة زُرقة في الوجه مما يشير إلى تعرضه للخنق، وسلامة منافذ الشقة ووجود بعثرة في محتوياتها.
فور تلقيه البلاغ، شكل اللواء محمد عبد التواب نائب مدير مباحث الجيزة فريق بحث ترأسه العميد عمرو طلعت رئيس مباحث قطاع الشمال، والذي تحول مكتبه إلى أشبه بغرفة عمليات بحضور ضباط فرقة الوسط ومباحث العجوزة.
أعقب ذلك الاجتماع آخر مصغر بقيادة العقيد عمرو البرعي مفتش مباحث وسط الجيزة اجتماعا موسعا مع ضباط وحدة مباحث العجوزة بحضور المقدم مجدي موسى وكيل الفرقة؛ لبحث عناصر خطة البحث التي تركزت على فحص علاقات المجني عليه والمترددين عليه ومراجعة كاميرات المراقبة.
“الخدامة دي وراها سر” كلمات جاءت على لسان العميد عمرو طلعت موجها بتكثيف التحريات حولها ومناقشتها، إلا أنها كانت تندب حظها بعد خسارتها وظيفتها بمقتل العجوز الثري نافية تورطها في الواقعة: “كنت هموت معاه.. دول سرقوا تليفوني”.
تفريغ كاميرات المراقبة بمحيط العقار سكن الضحية أظهرت صعود 3 أشخاص في وقت متزامن لارتكاب الجريمة، إلا أن المفاجئة كانت وقوف رجل وسيدة في الجهة المقابلة من المنزل وكأنهما يراقبان المترددين على العقار، غادرا رفقة الأشخاص الثلاثة.
في أقل من 24 ساعة كشفت تحريات الرائد أحمد عادل رئيس مباحث نقطة أرض اللواء، المستور، تحول الشك الذي راود رئيس القطاع منذ البداية إلى يقين، الخادمة كلمة السر، شوهدت رفقة الرجل والسيدة -الذين رصدتهما كاميرات المراقبة أمام العقار- قبل وقوع الحادث بوقت قصير فأمكن ضبطها.
فشلت محاولات الخادمة في مراوغة رجال التحقيق، أدلت باعترافات تفصيلية حول ما دار تلك الليلة وكانت الجدران شاهدة عليه، مشيرة إلى أن شقيقها “ر.م” اتفق مع 3 من أصدقائه لسرقة شقة المجني عليه، وأنها أبدت تخوفها من كشف أمرها إلا أنه طمأنها: “قالي هنكتفك زيه وناخد تليفونك تمويه”، وأن دوره وشقيقتهما اقتصر على المراقبة والرصد.
عقب تقنين الإجراءات واستصدار إذن من النيابة العامة، استهدفت مأموريات قادها الرائد أحمد عادل والنقيبين أحمد فاروق وأحمد منتصر معاونو مباحث العجوزة المتهمين الخمسة في أماكن إقامتهم -بينها كرداسة- وأمكن ضبطهم وبحوزتهم المسروقات عبارة عن ألف جنيه – 30 دينار كويتي – 712 دولارًا وهاتفين أحدهما خاص بالضحية والثاني بالمتهمة الأولى، وبرروا فعلتهم: “ماكنش قصدنا نقتله.. نصيبه كده”.