عميد دكتور عمرو ناصف يكتب ( من دفتر مذكرات ضابط جيش)
من دفتر مذكرات ظابط جيش
.. تلك الليالى ..
.. حين أرحل بصحبة الأرق .. متلصصاً .. متحسساً .. متخفياً بين النفوس .. متفرساً وجه الجلوس .. متوحداً مع النقوش .. مع الحزين والبدين والعَبوس .. أستقبل الضباب كأسواط من جلود الجنود .. كعرق أصواف من سبقونى إلى الفردوس ..
.. أتشمم رائحة أطفالى وخبز أمى وبخور منزلى .. تقاتلها رائحة غرفتى هناك .. فى الجانب الآخر من ممالك العناكب .. وصوارى المراكب .. والأكواخ المنخورة من جيوش السوس .. تلك غرفتى فى المصير .. مخلفاً ورائى منشفتى ودوائى .. موضوعاتى التى لم أنهيها بعد وأخرى كان يجب ان أبدءها قبل الرحيل .. حديقتى الخلفية .. أفتقد أزهارىي .. وأشجارى .. فى الغرفة المجاورة .. أصوات براعم تفيض عبقاً فى أوقات المحاورة .. يتناوشون .. يتسابقون ..
.. لكنهم فى الصباح سيستيقظون .. ومع إحتدام المسابقة لن يذكرونى حين يتسابقون .. وسيضحكون .. وبأمهم وفطورهم كعهدهم سيكتفون .. وأسقبل الليالى هناك فى مواقع الهموم .. بلا نجوم .. لا شئ إلا الرمال والجبال والتخوم .. صوت الأياءل .. طقطقات عظام جنودنا الأوائل .. الخوف والرغبات .. نهر جاف من الأمنيات .. أرتدي ثوب القتال .. وأمتهن حرب الجبال .. وفى صرير المعمعة .. أفتقد فى الفناء الخلفى حرب العيال .. ورياح الشمال .. حين تأتى بأخبار زيجات بنات القبائل .. ومزج الفواكة بالعصائر والسوائل .. لكننى أعرف أننى سأعود .. ككل مرة سأعود .. لأجد الصغير قد كبُر .. والتاريخ فوق نتيجة الحائط بالشهور قد عبر .. وإنطفأت مجالس السمر .. فأشرع فى إيقاظ النيام وأضيئ كل أنوار الممرات حين القى السلام .. فتعم الجلبة والضحكات .. والكل يطلب الأمنيات .. فقد كثُرت الأزمات وتأجلت الموضوعات .. فأشرع فى أنهاء ما أستطيع .. وأشترى وأبيع .. وأبعثر القلب فى المضايق .. والأمن عند المشارق .. والحَب فى الحدائق .. فتخرج الزنابق ..
.. وأسرد الحقائق .. والكل فى الأحلام غارق .. وحين نلعب بالبيادق .. تتجهم الوجوه حين نرمق الحائط .. والوقت فى ورقها الساقط يمزق النزهات والحفلات .. ويقتل الفرحات .. فغداً ذلك الغريب سيرحل ويترك الموضوعات دون ان تُقفل .. وأخرى ماكان يجب أن تُغفل .. وسنكون نيام حين ينسّلُ من بين الوجوه .. متلصصاً متحسساً بين الأثاث البالى .. متسللاً وسط الليالى ..
.. حين يرحل ..