مشروع تنمية اقليم قناة السويس:-
بقلم الباحث / يوسف مهاب نصر
تعد قناة السويس حلقه وصل بين الغرب و الشرق نظرا لموقعها الجيو-سياسي و الجيو-اقتصادي الهام, و كونها شريان رئيسي لا غني عنه في التجاره العالميه بما تتمتع به من مميزات كموقعها الاستراتيجي الذي يقع بين البحر المتوسط و البحر الاحمر و يلعب دورا بارزا في اي تفاعلات سياسيه و اقتصاديه و عسكريه قد تطرأ علي المشهدين الاقليمي و الدولي في ظل ديناميكيه التنافس الدولي علي الوجود العسكري علي طول ساحل بحر الاحمر الذي يعد امتدادا طبيعيا لقناة السويس و للامن القومي في المصري في عمقها الاستراتيجي. و في هذا الاطار, تولي مصر اهتماما كبيرا بتنمية اقليم قناة السويس و ذلك ادراكا بأهميتها علي مسرح التجاره الدوليه و موقعها الحيوي الواصل بين قارتي اوروبا و اسيا و ذلك من خلال اقامه العديد من المشروعات الصناعيه و ضخ الاستثمارات الاجنبيه في القناه و مناطقها الاقتصاديه لتعظيم مواردها الماليه و ذلك في ضوء كون قناة السويس احدي الدعامات الرئيسية للاقتصاد المصري. و اتصالا بذلك, يهدف مشروع تنمية قناة السويس الي تحويل القناه الي مركز عالمي للنقل و اللوجستيات و ليس فقط ممر مائي يمر يربط بين البحرين المتوسط و الاحمر. و من هنا, من المتوقع ان تصبح المنطقه الاقتصاديه لقناة السويس هي المحرك الرئيسي و حجر الزاويه لمشروع تنميه قناه السويس من خلال جذب الاستثمارات الاجنبيه و ضخها في اطار مشروعات صناعيه تكامليه تعزز مكانه قناة السويس.
لمحه تاريخيه و معاصره عن قناة السويس:
معلومات عامه عن قناة السويس:
تمتد قناة السويس من ميناء بورسعيد شمالا الي ميناء السويس جنوبا بطول اجمالي يبلغ 193 كم. و تعد القناة الذي بدأ العمل فيها عام 1859 و لمده 10 اعوام حتي الافتتاح المهيب في 1869 الذي حضره ملوك و رؤساء من انحاء العالم, اقصر الطرق بين الشرق و الغرب اذا تقلل نحو 15 يوم من وقت الرحله عبر رأس الرجاء الصالح, و ظل حتي تاريخه اكبر ممر مأئي من صنع الانسان شق بسواعد مليون عامل مصري توفي منهم نحو 120,000 في ملحمه وطنيه كبري التي ظلت شاهده علي التفاف الشعب المصري في معارك عديده في و حول قناة السويس علي مدار التاريخ. و تضم قناة السويس ثلاث بحيرات طبيعيه علي طول مجراها. و تمثل قناة السويس احدي دعامات الاقتصاد المصري بالتوازي مع تحويلات المصريين بالخارج, و السياحه, و الصادرات الاخذه بالارتفاع عام تلو الاخر. و من هنا, يمكن ان تلعب قناة السويس في اطار مشروع تطويرها من خلال الاستغلال الامثل و الاداره المتكامله لمناطقها الاقتصاديه دفعه قويه للاقتصاد المصري لتكون قاطرة تنميته من اجل تحقيق النهضه المنشوده.
و اتصالا بما سبق, شهدت قناة السويس عبر تاريخها عده احداث ادت الي اغلاق القناه 8 مرات لعل ابرزها و اطولها كان لمده 8 اعوام علي اثر العدوان الثلاثي عام 1956 في خضم ازمة تأميم القناه و كذلك ازمه جنوح سفينة “ايفرجرين” في مطلع شهر مارس من العام 2021 التي سببت توقف الملاحه بالقناة لمده نازهت الاسبوع و هو الامر الذي نتج عنه خسائر قدرت ب15 مليون دولار يوميا للقناة فضلا عن نحو 10 مليار دولار للتجاره العالميه. و بالرغم من ازمة توقف الملاحه فضلا عن تداعيات ازمه كورونا التي لا زالت لم تتعافي منها العديد من اقتصادات الدول من بينها مصر, حافظت قناة السويس علي اهميتها و مكانتها الاستراتيجيه و علي خريطه الساحه التجاريه و الملاحيه التي طالما تبوأتها في ظل تنفيذ العديد من المشروعات التي ساهمت في ترجيح كفتها عن باقي المسارات و القنوات. و كما ما توقعه الخبراء من تراجع دورها التقليدي عقب ازمه كورونا, نجحت القناه في الحفاظ علي مكانتها بل و حققت اعلي ايراد تاريخي بلغ 6,3 مليار دولار لعام 2021 نتيجه لسياسيات رشيده و تقديم حوافز و غيرها و كذلك عن تنفيذ العديد من المشروعات الحاليه و طرح رؤية مستقبلية لتحويل القناة الي مركز عالمي لوجستي حيث ان هيئة قناة السويس لا تألو جهدا من اجل الحفاظ و التعمل علي التطوير المستمر علي احدي اهم مكتسبات الشعب و الدوله المصريه. و من هنا, تبرز اهمية عده المشاريع التي عكفت الهيءة علي تحقيقها و لعل ابرزها مشروع قناة السويس الجديده.
مشروع ازدواج قناة السويس ” قناة السويس الجديدة”:
جاءت فكره قناة السويس الجديده التي تم تنفيذها عام 2015 البالغ طولها 72 كم كقناة موازية بهدف تحقيق اكبر نسيه من الازدواجيه لتسيير السفن لزيادة قدرتها الاستعابيه في ظل النمو المتوقع لحجم التجاره العالميه و ارتباطا بمشروع تنمية منطقة قناة السويس. و في هذا السياق, حققت قناة السويس الجديده زياده اعداد السفن العابره من و الي القناه من 77 سفينه الي 97 سفينه يوميا و ادت الي تقليل زمن العبور من 18 ساعه الي 11 ساعه, و السماح لعبور السفن بعمق 66 قدم فضلا عن تحقيق الامن الملاحي لوجود قناتين و الحفاظ علي المركز التنافسي لقناة السويس من خلال العمل المستمر علي تطويرها و توسعتها. و مثلت افتتاح قناة السويس الجديدة البدء في المنحني التصاعدي لايرادات القناه فضلا عن كونها انطلاقه لمشروعات استراتيجيه اخري كمشروع تنميه منطقة قناة السويس و توسعة ميناء شرق بورسعيد و استغلال المنطقه الاقتصاديه لقناة السويس لتصبح مركزا لوجستيا عالميا و قلعه صناعية في اطار استغلال الدوله لعبقرية الموقع لتعزز مكانتها باقامة مجتمعات عمرانيه و المجتمعات الصناعية و الزراعيه من اجل توفير فرص عمل و تعزيز الارباح من العملة الصعبة. و في هذا السياق, تعمل قناة السويس علي خطه طموحه تهدف الي زيادة الطاقة الاستيعابيه للقناة بحلول 2023 بأكثر من 11% من عدد السفن التي عبرت خلال 2020 فضلا عن مشروع الازدواج في منطقة البحيرات المره الصغري.
المنطقة الاقتصادية لقناة السويس:
تعد المنطقة الاقتصاديه لقناة السويس الركيزه الاساسيه لمشروع التنميه بمفهومها الشامل متعدد الجوانب و يعتبر هذا المشروع المحور الرئيسي للتنميه الاقتصاديه في مصر و يهدف الي تنمية 461 كم لانشاء مجتمعات صناعيه داخل المناطق الاقتصاديه للقناة من اجل تعزيز مناخ الاستثمار و جذب فرص استثماريه واعده لتصبح مقصدا هاما للاستثمار تحقق التنميه الاقتصاديه الشامله. و من هذا المنطلق, تتخذ الدوله مفهوم المناطق الصناعية و الاستثمارية كاحدي اليات جذب الاستثمار الاجنبي التي تتهجها مصر حاليا بهدق توطين الصناعات و التوسع فيه و تعميقه و زيادة تنافسيتها. و من هنا يمكن القول ان المناطق الصناعيه الاجنبيه لا سيما المنطقة الصناعية الصينية التي حققت نجاحات كبيره فضلا عن المناطق الجاري انشاؤها و هي المنطقه الصناعيه البولنديه و الروسيه و غيرهم في المستقبل القريب حال المضي قدما في تنفيذ مشروع تنمية قناة السويس, و هو الامر الذي سيؤدي الي خلق مجتمعات صناعية متكاملة و زيادة الاستثمارات الاجنبية في مصر و الصادرات و توفير فرص عمل عديده.
و تضم المنطقة الاقتصادية لقناة السويس 4 مناطق هم منطقة شرق بورسعيد, و غرب القنطرة, و شرق الاسماعيلية, و السخنة فضلا عن امتلاكها 6 موانيء هم غرب و شرق بورسعيد, العريش, الادبية, عين السخنة, و الطور. و تعكف هيئة قناة السويس علي جذب استثمارات في العديد من المجالات لعل ابرزها الصناعات الدوائية, و قطارات السكك الحديدية, و البتروكيماويات, و اللوجسنيات و مواد البناء و التشييد. و تقدر الاستثمارات الاجنبية التي ضخت بقناة السويس حتي تاريخه نحو 20 مليار دولار. و في هذا الاطار, وقعت المنطقة الاقتصادية عام 2021 عقد تطوير ميناء عين السخنة لتطوير الموانيء البحرية و رفع تنافسيتها و تحويل الميناء الي منطقة استثمارية واعده علي البحر الاحمر. وتأتي مشروعات صناعة الهيدروجين الاخضر و الامونيا علي رأس اولويات هيئة قناة السويس. و يشهد محور تنمية قناة السويس انشاء اطول رصيف حاويات في العالم بميناء منطقة شرق بورسعيد فضلا عن انشاء مجتمعات صناعية بالتعاون مع الهيئة العربية للتصنيع تتضمن مصنع لانتاج الالواح الشمسية. تجدر الاشارة ان لدي قناة السويس ميزة تنافسية تفوق اي مركز لوجستي بالمنطقة حيث يتوسط مناطق انتاج المواد الخام و مناطق استلاكها مما يشكل دفعه قويه للامام لرؤية قناة السويس لتعزز مكانتها علي ساحة التجارة و الملاحة الدولية.
و في ضوء ما تقدم, يمثل مشروع تنمية قناة السويس اهم المشروعات القومية ذات بعد اقتصادي و استراتيجي لمصر حيث تمتلك القناة بنية تحتية قوية تتمثل في شبكه ممتدة من الطرق و المحاور الرئيسية التي تربط كافة اقاليم مصر ببعضها البعض و محطات مياه و تحليه مياه البحر و انفاق تحت القناة اهمها انفاق الاسماعيلية و جنوب بورسعيد, و تكمن الاهمية الجيو-سياسية للمشروع بفضل عبقرية الموقع الجغرافي و حجم الاستثمارات الذي من المتوقع ان يصل الي 100 مليار دولار ليتربع اقليم قناة السويس كاكبر مركز عالمي لوجستي في العالم.
و من هنا, يمكن الجزم بأن مراكز صنع القرار المصري ادركوا اهمية البنية التحتية كشرط لابد من تحقيقة من اجل الوصول الي التنمية الصناعية و ان لا تنمية بدون استيفاء شرط البنية التحتية المتكاملة التي تكون اسس الدوله الصناعية الحديثة.
البنية التحتية التكاملية في سياق مشروع تنمية قناة السويس:
و اتصالا بما سبق, يعزز مشروع تنمية اقليم قناة السويس في حسن ادارة جغرافيتها و قدرتها الصناعية من خلال مفهوم التنمية الدفاعية و العمل علي تكامل مشروعات قناة السويس مع عدة مشروعات قومية اخري لعل ابرزها القطار الكهربائي السريع الذي يصفه البعض ب”قناة سويس جديدة علي القضبان” و هو المشروع الذي اجهض مساعي اسرائيل للربط بين ايلات و البحر المتوسط فضلا عن محور 30 يونيو الذي يساهم بربط موانئء العريش و شرق بورسعيد و دمياط و الاسكندرية و خليج السويس, و كذلك التمدد العمراني شرقا و تنمية شبه جزيرة سيناء و مشاريع زراعيه واعده و كل ما سبق يأتي في اطار تكاملية المشاريع و استخدام التنمية الدفاعية كادأة لتعزيز الامن القومي المصري في مناطقها التي تتمتع ببعد استراتيجي هام.
مدي منافسة بدائل قناة السويس في الملاحة و التجارة:
لا شك ان تنافس القنوات الاخري و الممرات يشكل تهديدا لدور قناة السويس الريادي علي مدار التاريخ و لعل ابرز تلك القنوات و الممرات و الطرق كالاتي:
1) قناة بنما: و هي قناه تصل بين المحيط الهاديء و المحيط الاطلنطي و لا تشكل تهديدا لقناة السويس كون نطاق عملها لا يمت بصلة بنطاق عمل قناة السويس.
2) قناة نيكاراغوا: و هي قناة مقترح تنفيذها و تربط المحيط الهاديء و المحيط الاطلنطي و كما قناة بنما لا تشكل تهديدا نتيجة لعملها في نطاق جغرافي مختلف عن قناة السويس.
3) الممر الشمالي الشرقي: و هو ممر شحن يقع علي امتداد الساحل الروسي علي مياه المحيط الاطلسي و قد بزغ نجمه مؤخرا نظرا لتأثير ازمه المناخ علي ذوبان الجليد الا ان ارتفاع تكلفة كاسحات ازالة الجليد تزيد من تكلفتها و توجد العديد من الصعوبات الفنية و اللوجستية التي قد يحد من قدرة هذا الممر كبديل رئيسيا لقناة السويس و تشكل تهديد ثانوي للغايه كون اتجاه معظم السفن الي اعتماد قناة السويس كممر ملاحي رئيسي.
4) الممر التجاري (شمال-جنوب): و يربط بين الهند حتي روسيا مرورا بايران و يعد طريق بحري-بري يضم موانئء و طرق و سكك حديد الا ان عوامل حموله القطار مقارنة بالسفينه كبيره فضلا عن صعوبه في التنقل و اللوجستيات قد تعرقل اتمام المشروع علي اكمل الوجه و تقلل تنافسية هذا المسار مقارنة بقناة السويس.
5) طريق الحرير الجديد: و هو سلسلة طرق و مسارات بحريه و بريه تشكل نواة سلاسل التوريد حول العالم مصدرها الصين و تتضمن مناطق اقتصادية و صناعية و تمر من خلال عدة ممرات اهمها الممر الصيني-البكستاني, و ممر لاوروبا و قناة السويس. و من هنا, يمكن ان يلعب طريق الحرير الجديد ان يتكامل مع مشروع تنمية قناة السويس و ليس بالضروره ان يتنافس مع القناة خاصه مع شروع مصر في البدء في تنفيذ مشاريع عملاقة في المناطق الاقتصاديه و البنيه التحتية القويه التي تتجسد في قطارات و محطات مياه و انفاق و طرق و محطات تحلية مياه و جسور عائمة.
و بالرغم من تعدد الخيارات, فان كافه البدائل التي طرحت او قد تطرح في المستقبل بعيدة عن قناة السويس و ما وصلت اليه من اهمية عالمية حيث تعد اقصر الطرق بين الشرق و الغرب نظرا لموقعها الجغرافي الفريد و المشروعات الجاري تنفيذها هناك التي تعزز من قدرة القناة علي مجابهة اي منافسة و من مكانتها الدولية التقليدية.
توصيات:
و في ضوء ما تقدم, يمكن القول ان مشروع تنمية قناة السويس سيكون المحرك الرئيسي لمشروعات استراتيجية اخري في اطار تكامل المشروعات من اجل تحقيق اقصي استفاده و تعظيم الاصول القائمة و جذب الاستثمارات الاجنبية مما ينعكس بشكل مثمر علي الاقتصاد المصري.
ختاما, يجب الاستفادة من مشروع محور تنمية قناة السويس من اجل انشاء حزام مترامي الاطراف متمثل ببنيه تحتيه اضافيه تسهل عمليه التصدير و تعزز التجاره البينيه و جذب الاستثمارات و ذلك من خلال انشاء قطار كهربائي لربط موانئء شمال و جنوب سيناء بالاسكندرية مرورا بمدن القناة لتعظيم نقل البضائع, و التركيز علي التعليم الفني و الصناعي كقاطرة التنمية و ارسال بعثات تدريبية بالخارج لتبادل الخبرات في شتي المجالات ذات صلة, فضلا عن العمل علي انشاء المناطق الصناعية و الانتاجية و الزراعية بمحاذاة القطارات و الموانئ لسهوله تصديرها و عقد العديد من ورش العمل و الندوات لتعزيز مهارات العمل المختلفة و اخيرا تطوير جميع الموانئ و ذلك ادراكا ان لا نهضة صناعية و تنموية بدون بنية تحتية.
عدد المشاهدات : 60
مرتبط
زر الذهاب إلى الأعلى