قالت لى إحداهن ذات يوم:
– انت فاكر نفسك مين؟عايز تمشي الدنيا على مزاجك..البسي كذا وبلاش كذا..بلاش ميكاب كتير..بلاش تبينى شعرك..انت تعرف ايه عنى؟
انا؟ انا اعلم الكثير ..اربع وأربعون عاما تكفى لكى اعرف ما يلزم.
استقبلت هجومها بابتسامه حكيم واقتربت منها فغمرتنى رائحه عطرها الاخاذ:
– حبيبتى مش موضوع ان كل حاجه تمشي على مزاجى..بس انا عارف انك قريبه من ربنا وبتعملي حسابه..مينفعش تخلعى الحجاب..والميكاب بتاعك فعلا over..احنا فى مجتمع متخلف والحاجات دى بتتفهم غلط.
ضحكت ضحكه مريره ختمتها بشخره انثويه لطيفه ووضعت يدها على كتفي قائله بتهكم :
– وانت بقي يا حبيبي إللى فاهم صح؟
أثارت فضولى فخلعت ثوب الحكمه محاولا الفهم وسألتها:
– طب فهميني…بصي يا وعد.. انتى جميله..انتى اجمل ست عرفتها ف حياتى وبدون مبالغه..إللى بتعمليه ف نفسك ده كأنك بتحاولى تجملي الجمال..وبعدين.. هتوصلي لأيه؟
سرحت بنظراتها بعيدا للماضي ثم باحت:
– إحنا نعرف بعض من كام شهر بس..انت تعرف انى كنت منتقبه؟.. قعدت سنين بالنقاب..حتى ايدى مكنتش ببينها.. مكنتش بكلم رجاله عشان صوت المرأه عوره..
ولا بخرج من البيت..فكر سلفي..كنت بسمع حسين يعقوب وشيوخ السلفيه وآمنت بالفكر ده سنين..كنت بحكم على اي واحده حتى اختي وازعق بأن دى متبرجه وده حرام..كل حاجه حرام..اتجوزت جوازه مهببه…واحد حابسني ف البيت بحجه أنه راجل اوى ومتدين وبيغير ..بعد الجواز اكتشفت حقيقته..أنه ولا راجل ولا زفت.. وأنه ضعيف..ومتدين بالمنظر بس.. وعشان يدارى ضعفه بيدورها مع اى كلبه تقع في سكته..حتى فى مكان شغله..اتخنقت واتطلقت ومعايا ٣ عيال..
واحده واحده بدأت احس ان عمرى بيضيع .. اكتر من عشر سنين ضاعت.. اجمل سنين عمرى قضيتها فى سجن.. انا اللى بنيته وحبست نفسي جواه..كأنى كنت بموت كل يوم على نغمه مزيكا هاديه..محدش سامعها غيري..ممله..وبتخنقنى..
واحده واحده.. بدأت ابين عنيا..وبعدين ايدى.. وبعدها خلعت النقاب…و دلوقتى طول اليوم بحط كريمات ومانيكير وروجات و ميكاب..بحب الميكاب…بحضنه وانا نايمه…لو ينفع ٱكله حاكله كمان..
عايزه اخرج..اسافر..عايزه اشتغل.. عايزه اعيش يا عم..ومتقوليش الناس..ملعون ابو الناس..كل واحد يخليه ف نفسه.
كانت تحكى وانا اتخيل شخصيتها المرحه فى ثوب سلفى فدار رأسي..وعرفت اننى لا اعرف شيئا..وان الجالسه امامى تخفى وراء زينتها طعنات خيانه.. وزيجه فاشله.. وعشر سنوات سقطت من عمرها سهوا..تاريخا لم اعشه وطرقا وعره خاضتها بأضطرار..او بجهل.
قبلت رأسها معتذرا:
– دودو..انا اسف..حقك عليا يا ماما…اعملي إللى يريحك.
ارتدت نظارات الشمس الملونه..
ومضت…
راقبتها تمشي بخطوات واثقه وكعب حذائها العالى يضرب الأرض بإيقاع صاخب..
هى من عاشت..ومن جربت..وتلك حياتها
و
اخيرا..
هى حره.
عدد المشاهدات : 47
مرتبط
زر الذهاب إلى الأعلى