728x90
728x90
previous arrow
next arrow
فن

(من أجل سارتر) قصة قصيرة بقلم محمد مصطفى

728x90
728x90
previous arrow
next arrow

 

كانت تقود السياره بمهاره ونحن على مشارف الاسكندريه عندما قالت لى:
حبيبي..انت موظف بنك. يعنى المفروض يكون عندك “ثقافه” اكتر من كده.

لفت انتباهى استخدامها لكلمه ثقافه وانا اعرف صاحبتى جيدا واعرف ان علاقتها بالثقافة مثل علاقتى بالسوشي ..كما كنت أشعر بالحرج من أنها تقود السياره وانا بجانبها لا اعرف حتى مكان الدواسه.. لهجتها المتعاليه غير المعتاده أثارت كبريائى فاشعلت سيجاره نفخت دخانها بوجهها واستدعيت عجرفه أبناء مهنتى ردا عليها:
اولا انا مش مجرد موظف بنك… انا البنك نفسه…ثانيا يا حبيبتى انت عمرك ما مسكتى كتاب..ثقافه ايه إللى بتتكلمى عنها؟
ردت: كتاب مين يا بابا..انا اقصد ان واحد ف وضعك لازم مثلا تكون عارف ماركات العربيات..موديلاتها..حتى لو مش بتعرف تسوق..علشان لو دخلت مجتمع بمستوى زى بيفرلي هيلز ولا التجمع لازم تبقي عارف ..اعرف البراندات..لازم ف اللبس تعرف تفرق بين الVersace و الGuess و الPrada ..وفى الشوزات لازم تعرف تميز الروك عن الكونفرس عن البولو..انت عارف انه فيه كوتشي للمشي ..وكوتشي للجري.. وكوتشي للخروج؟ ده ..غير ده ..غير ده..لازم تعرف ماركات الموبيلات..واسعارها ..وايه أحدث حاجه نزلت.

قلت لها:
والله الثقافه إللى اتربيت عليها ملهاش علاقه باللى بتقوليه ده..ليها علاقه ب طه حسين..وجمال حمدان..صلاح جاهين…سارتر…
قاطعتنى بعد أن سرحت قليلا كانها تتذكر شيئا ما ..ثم قالت بجديه مصطنعه:
سارتر..اه…عارفاه..مش ده اللى سموه كده عشان كان “بيسرتر” على روحه بالليل؟

اتبعت عبارتها بضحكه ماجنه اهتز لها جسدها وجنبات السياره معا.. فاشتعلت دمائى من جوده الأفيه ومن طريقتها ف الضحك كأنها تستهزئ بشخصي وليس بالفيلسوف الفرنسي عراب المذهب الوجودى.

كنت ابحث عن رد مناسب فأكملت محاضرتها بجديه:
انا فهماك .. انت قصدك على القرايه والكتب والكلام ده؟ حبيبى دى بقت موضه قديمه..طول عمرك بتقول عليهم اصحابك..ماتشوفلك أصحاب جداد..العلم والثقافه دلوقتى على النت..ادخل..ابحث على الجوجل واليوتيوب..واتعلم.
ثم أشارت لمبني كارفور الذى يقترب قائله:
انا متاكده لو دخلنا هنا فيه “ستورز “انت مش حتعرف تتعامل فيها…ولا هتعرف الماركات الموجوده.

كانت تتكلم بحسن نيه لكنى شعرت بالاختناق واغراء قوى ان اضربها بالقلم وعجزت ٱليتي الدفاعيه عن رد.. فلم أجد لتفريغ شحنه غضبي سوى ما يلجأ له اى اسكندرانى اصلى عندما يضيق صدره..فقلت بقحه:
-هوا جرى ايه يا مره ؟..انتى نسيتى نفسك ؟ ولا العربيه والمليمين اللى نصبتى على طليقك فيهم نسوكى اصلك؟.ده انتى ابوكى كان يبلف العمود يقرا على الميتين وانتى وراه بتلمى قرص رحمه ونور..و امك دندوشه السوده.. الله يرحمها ..كانت كوديه زار ومخاويه..جايه بروح امك دلوقتى تقوليلي بيفرلي هلز و فيرزاتشي وبولوٕٕٕ ….يا بولو.. بقولك ايه..اركنى هنا ..انا حنزل.

كانت معتاده على تقلباتى بحكم معرفتنا القديمه وعلاقتنا الممتده.. فردت باستضعاف:
-انت زعلت؟ حبيبي والله ما اقصد.. انا بقولك الكلام ده علشان بحبك و قلبي عليك..وبعدين الدنيا بتشتى..يعنى لو نزلت هتتيهدل.
كان مزاجى قد تعكر وأصبحت المسافه بيننا أميال.. فصممت:
– ملكيش فيه.. اركنى وحانزل.
استجابت..
واثناء نزولى من سيارتها سمعتها تقول:
-لما تروح وتفكر ف كلامى على مهلك..حتولع ف الكتب بتاعتك دى.
فكرت طوال النهار فى منطقها..حتى عدت إلى بيتى..
ففتحت تليفونى مستعرضا محتواه “الثقافى” الجديد…وجدت اعلانات البراندات والماركات المقلده…فتيات وشبان يمارسون الرقص أو خفه الظل..نصائح خائبه عن كيف تكون رجل عصرى فتجعل الحسناوات يغرمن بك خلال ٢٤ ساعه..و فيديوهات قصيره او طويله تلخص الحياه والتاريخ فى دقائق بطريقه سهله ومغلوطه..متاهه استهلاكية تعبر عن لغه عصر لم استسغها ولم ارغب فى تعاطيها.
أخرجت كتبي القديمه والجديده بلا هدف واضح.. اقلب فى عناوينها باحثا عن شئ ما…
طال الوقت فغلبنى النوم..
ووسط أصحابى الذين عفا عليهم الزمن..
نمت ..ملتحفا بجهلى.

اظهر المزيد
728x90
728x90
previous arrow
next arrow
زر الذهاب إلى الأعلى