728x90
728x90
previous arrow
next arrow
فنمنوعات

(انتحار) بقلم محمد مصطفى

728x90
728x90
previous arrow
next arrow

للمتاهات حدود..
ولا حد لمتاهتى الا بالموت..
.اعتقدت دائما أن حياه الانسان لابد وأن تنتهى تلقائيا عند الخامسه والاربعين..هى السن المناسبه للرحيل..قبل الأمراض والمعاناه والالم. ..سيكون حينها أيضا قد ارتكب القدر الكافى من الذنوب بما يكفى لمحاسبته -إن كان هناك حساب-…أليس هذا هو الهدف؟
اما أنا فقد جاوزت السبعين ..لم أتخيل ابدا اننى سأعيش حتى اصل لهذه السن..وحيدا بين جدرانى…هزل جسدى وتكرمش جلدى وزالت قوتى للابد ..
رحلت رفيقتى منذ عامين وبقي لى منها ابنتان تنكرت لى كلتاهما فكان موتى الحقيقي..
من سيرغب فى مجالسه مرىض عجوز تاركا متاعب الحياه وملذاتها..فعذرت اطفالى الكبار.
الفشل الكلوى مرض لعين ..وهل هناك مرض ليس كذلك؟
اضيف مع الشيخوخه الى الضغط وحساسيه الصدر فأكتملت مجموعه امراضى وفقدت اى لذه فى الحياه.
جلسات الغسيل مجرد ذكرها يرعبنى ..أكد لى الطبيب فى البدايه انها ستكون جلسه غسيل واحده..واكتشفت أنه كان يجرنى للمهزله..
ثلاث جلسات غسيل للكلى أسبوعيا كل منها ثلاث ساعات او اكثر حتى كفرت..ليس معنى مجازيا فلم اك يوما من المؤمنين المخلصين..
لكن الجلسات اللعينه وما يعترينى خلالها من ضيق تنفس ذهبت بما تبقي من ايمانى…
المرض تكفير للذنوب؟ …حسنا…أن ذنوبي اكبر من ان تغفرها ٱلام العالم جميعا…اعلم ذلك جيدا فلا عزاء لى.
شرط الأطباء الاوغاد يدى اليسري ليسرى بوريدى انبوب غسيل الكلى…حتى نضبت عروقها
ففعلوها باليمنى بعد شهور..
ثم اخبرونى أنه لم يعد بأمكانهم ممارسه عملهم باليدين ..وان الخيار المتاح هو تشريط رقبتى ليمر بها انبوبهم اللعين ..يتعاملون معي كأننى ٱله لا تشعر متجاهلين اوجاعى ومهانتى…ثم قرروا شرط فخدى أيضا والا الموت..
عندها اتخذت قرارى…
لن ألقى ربي بجسد مشوه أكثر من ذلك ..
ما الهدف من وجودى إن كان المتبقي فقط هو الألم والهوان..وعلى الاقل..سأكتشف اجابه السؤال الازلى عما وراء الموت ..أما الجحيم ..فلا أتصور أن هناك آلام سواء فى هذا العالم أو العالم الآخر تفوق ما اشعر به فى جسدى منذ اشهر..
يقال إن العجائز لا ينتحرون..وما ادراكم بأحساس العجائز ابها الحمقى..سأفعلها رغم ذلك بلا ندم على شئ الا تلك المعاصي الممتعه التى لم تشأ الاقدار أن ارتكبها..لم يكفنى العمر ومر شبابي سريعا..
وعلى ذلك فقط انا آسف.
وسط قذارتى ارقد عاجزا…اتذكر حمامى الصباحى يوميا بالماء البارد ولو فى ذروه الشتاء وتعطرى ثم اندفاعى للشارع غير مبال بأحد…رانيا بزهو قوتى ووسامتى لصورتى المنعكسه فى زجاج السيارات والمحلات..وفى أعين النساء.. لكن ذلك كان ايام الصحه…الٱن لم اعد قادرا على الذهاب لقضاء الحاجه…افعلها فى سريري وتأتى الخادمه الصغيره لتنظيف ما تستطيع..فيالقذاره الحياه وغدرها.
تمر على ذاكرتى الوهنه مشاهدا لأيام العشق رفضت النسيان فترتسم ابتسامه ذابله على وجهى..فى زمن اخر كنت عاشقا ومعشوقا بقصص عنوانها ..خيانات متبادلة.
حتى اسبوع مضي كانت تؤنس وحدتى اشباح الأحبه الراحلين.. يحدثوننى واحدثهم ..ثم توقفوا عن زيارتى.. ففهمت الرساله.. وأدركت أنهم ينتظروننى هناك.
سله الدواء بجانبي ممتلئه.. وفقدت حاسه التذوق نهائيا من كثره ما اتعاطاه..أشعر أنه يزيدنى مرضا.. اما عن الشفاء فحلم لا استطيع ان احلمه..إن كان للحلم معنى.
النوم والصحو لى سيان فأنا لم اذق طعم النوم منذ عام..هى فقط غفوات يوقظنى منها الألم.
انتظرت للصباح…
كنت دائما كائنا نهاريا اقضي مصالحي صباحا..
بعزم ما تبقي من ارادتى توجهت للنافذه..واتكأت على جدارها الذي بدا لى حدا فاصلا بين هذه الحياه وما يليها.
رأيت الشارع بعيدا والناس على البعد حشرات حقيره تسعى يوميا نحو الهلاك.
ملت نحو الخارج برأسي ثم دفعت باقي جسدى مغادرا محبسى الانفرادى بلا عوده..
لم اغمض عيني أثناء السقوط..ما اروع هذا الشعور ..تحرر جسدى من الالم وشعرت بحيويه ابن العشرين..تركت اوجاعى ومرضي اخيرا فى الغرفه الكئيبه..
وقبل الاصطدام المنشود رأيت ابي..
بنفس هيئته عندما كنت طفلا وهو عائد من سفر فيحتويني ..شعرت بدفء وحنو قبلته الاولى على جبينى عندما كنت رضيعا وافدا جديدا على الحياه..
فتح ذراعيه مبتسما مرحبا..ففردت ذراعى فى الهواء كطائر صغير مندفعا بجنون نحو حضنه الدافئ وتوحدنا معا للابد.

اظهر المزيد
728x90
728x90
previous arrow
next arrow
زر الذهاب إلى الأعلى