المخرج ( كمال سليم )
مخرج الواقعية وزيف المظاهر
كتب / حسنى طلبة :-
طفولة المخرج كمال سليم
ولد ( كمال سليم ) فى يوم ١٩ نوفمبر عام ١٩١٣ فى حى الظاهر
وهكذا ترعرع كمال سليم فى المناخ الوطنى المزرهر فى أعقاب ثورة ١٩١٩ وانضم إلى التجمعات الثقافية ذات الطابع اليسارى التى انتشرت فى الثلاثينيات والاربعينبات ٠
وكانت دور العرض السينمائية
تقوم بدور التليفزيون الآن ٠ فكانت تعرض الافلام الروائية الاجنبية الطويلة مثل ( الفرسان الثلاثة/البؤساء) مجزاة على اسبوعين أو ثلاثة أسابيع متتالية
وكان كمال سليم يتردد على دور العرض مثله مثل الصبية فى طفولته وكان من أكثرهم شغفا وانجذابا بهذا الفن ٠
برجوازى شعبى
كمال سليم هو أحد أبناء جيل تمتع بازدهار الحركة الفنية الثقافية ٠ ورواج العروض المسرحية والسينمائية ٠
وكان( جده سليم عبده) من كبار التجار ومازال يوجد.باسمه إلى الآن شارع بحى العباسية ٠ وكان (والده عبد الغنى سليم ) تاجرا ثريا ضحى بثروته فى خدمة الحركة الوطنية ٠ثم أصبح نائبا فى البرلمان عام ١٩٢٤ عن دائرة الجمالية ٠
وهكذا فإن كمال سليم نشأ فى إحياء مصرية شعبية بين الظاهر والعباسية والحسينية وعاش مع ابناء الذوات والطبقة الأرستقراطية وذلك بحكم نشأته فى أسرة بورجوازية ٠
ولكن ظروف كمال سليم الاقتصادية سرعان ما اختلفت ٠ فوالده الذى كان متحمسا للقضية المصرية توفى عام ١٩٢٨ ولم يترك غير مصنع ومتجر حرير فى حى الحسين فى الوقت إلى مان فيه.كمال فى الخامسة عشرة من عمره يتلقى دراسته لمدرسة فؤاد الاول الثانوية وهى العباسية الثانوية الان ٠
كان الشقيق الأكبر لأربعة إخوة ٠ لذلك علقت الأسرة على كمال الآمال لمى يشرف على تجارة إببه ٠ ولكنه بالطبع كان ميالا للفن ويهوى السينما٠ ولا تفوته مشاهدة اى فيلم جديد ٠
فشغلته هذه الهواية عن أى شىء
حتى عن إتمام دراسته الثانوية التى توقفت عند مرحلة الكفاءة٠
عرف كمال طريقه الى المسرح وساهم فى تعزيز عشقه للفنانة
( فاطمة رشدى ) التى عرفت بصديقة الطلبة إذ كانت تخصص تذاكر مخفضة لهم كوسيلة لنشر الوعى المسرحى بين الشباب ٠
وكان كمال يقتطع من مصروفه كتلميذ ثمن تذكرة أعلى التياترو ليرى فاطمة رشدى على المسرح وهى تمثل أدوارها ٠ واوصله إدمانه لفاطمة والمسرح إلى الاهتمام بالسينما ٠
وكان من زملائه فى هذه الفترة ( صلاح طاهر ) الفنان التشكيلى و( صلاح الشاهد )
صهره لاحقا والذى شغل منصب كبير الامناء برئاسة الجمهورية
فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر ٠
يقول عنه ( صلاح الشاهد ) أنه كان منذ حداثته مفتونا بحب السينما ويحرص على مشاهدة كل فيلم جديد خصوصا افلام
( فالنتينو) معبود النساء فى ذلك الوقت ٠
شهادات الاصدقاء
يقول صديقه ( صلاح طاهر ) الذى امتدت صداقته به طوال حياته كنا زميلين فى الحسينية الابتدائية والعباسية الثانوية ومنذ ذلك اخترنا طريقا واحدا فى الحياة وهو الفن ٠ فاخترت الرسم واختار هو السينما ٠
ويقول عنه ( محمد عبد الجواد) مساعده بعد فترة فى الاخراج كنت زميله فى مرحلة الهواية وبدأ يمارس هوايته عمليا لاول مرة فى فيلم صمت من افلام الهواة بعنوان ( ابتسامة الشيطان ) من إخراج ( عبد المعطى حجازى ) مثل فيه دور رجل بائس محطم بعد أن تفنن فى وضع مكياج لدوره فى هذا الفيلم بجانب مكياج لجميع الممثلين الذى كان من بينهم ( حسين صدقى/محمد عبد الجواد/ محمود السباع) ٠
وقرر السفر الى باريس لدراسة
اسرار الفن السينمائي بعد أن تمكن من توفير مبلغ ( ١٠٠ جنيه )
من مصروفه الشخصى واقدم على هذه الخطوة الجريئة بدون علم أسرته خوفا من أن يمنعوه من السفر٠ وتكتم الخبر إلى أن وصل إلى ( مارسيليا) وأرسل إليهم خطابا من هناك ليطنمنهم عليه ٠
لكنه وجد متاعب كثيرة فى هذه الرحلة إذ تصادف بعد.وصوله إلى مارسيليا أن اغتيل ( بول دومير ) رئيس جمهورية فرنسا وقتئذ وألقى القبض على الكثير من الأجانب الموجودين فى فرنسا أثناء ذلك الحادث وكان من بينهم كمال سليم ٠ واعيد.الى مصر لانه كان لا يحمل جواز سفر قبل أن يحقق آماله فى دراسة فن السبنما ٠
وكانت صدمة قوية لآمال شاب
فى التاسعة عشر من عمره ٠ لكنه لم ييأس أو تهبط.عظيمته٠ بل على العكس ازداد شغبا وهياما بحب الفن السينمائي ٠ وأخذ يتعلم اللغات الحية ليقرأ بها امهات الكتب السينمائية فى لغتها الأصلية ٠ فدرس الانجليزية
والفرنسية والألمانية ٠
طلعت باشا حرب
يذكر الكاتب الصحفى ( محمد.دواره ) فى سلسلة مقالات كتبها عن كمال سليم
أنه طلب من ( طلعت.حرب باشا) أو يوفده ضمن بعثته من الشباب
لتلقى مبادىء السينما فى اوربا٠
الا ان حرب رفض لانه كان صديقا لوالده والذى كان معارضا وبشدة لاشتغاله بالفن الذى أثر على دراسته ٠ ولكن الحقيقة أن والد كمال سليم قد توفى وكمال سليم صبيا فى الصف الاول الثانوى كما أنه زمن سابق لارسال طلعت حرب لبعثاته ٠
وربما يكون سبب الرفض أن كمال سليم اكبر اخواته والذى كان من المتوقع أن يهتم بشيؤنهم وشيؤن المصنع بعد وفاة والده ٠
ومن المعروف أن طلعت حرب باشا ومن خلال شركة مصر للتياترو والسينما وهى إحدى شركات بنك مصر أنشأ أول استوديو بالشكل الفنى فى مصر عام ١٩٣٣ وفى العام نفسه ارسلت الشركة أو بعثة فنية على حسابها لدراسة الفن السينمائي تتكون من ( أحمد بدرخان/موريس كساب) لدراسة الاخراج فى فرنسا و(حسن مراد/محمد عبد العظيم) لدراسة التصوير فى ألمانيا ٠ كما اشترطت الشركة أن يتم تدريب المصريين فى الاستوديوهات التى استوردت منها الالتها لتجهيز ستوديو مصر
يقول ( على بدرخان ) عندما
سافرت إلى فرنسافى بعثة لدراسة الاخراج السينمائي بباريس ٠ وكان كمال سليم على اتصال دائم بى عن طريق المراسلة حيث كنت ارسل إليه
الجديد من الكتب والمجلات السينمائية التى كانت تصدر هناك
ولناوعدت إلى القاهرة فى أكتوبر
١٩٣٤ كان كمال سليم اول من قابلنى من الاصدقاء لانه كان فى انتظار ليعرف اخر تطورات السينما٠. اخذنا نسير معا على الأقدام فى منطقة الجزيرة من غروب الشمس حتى منتصف الليل فى حديث لا ينقطع عن السينما ٠ وهكذا كانت ثقافة سليم السينمائية ٠ التى أسسها
من خلال قراءاته ومشاهدته كفيلم بأن تقيم صداقة بينه وبين
سينمائي أنهى دراسته الأكاديمية فى السينما كعضو بعثة بباريس
ودرس التمثيل والقانون وعمل محررا وكتب دراسات لمجلة الصباح
ملامح شخصية كمال سليم
ربما يكون سبب تعلقه بالسينما أنه ساب بورجوازى أو استقراطى انبهر بهذا الفن ونجومه ٠ عشقه للسينما منذ صغره قد شغله عن الدراسة ٠ كما أنه درس الموسيقى عن طريق صديقه ( محمد حسن الشجاعى)
الذى كان يعهد.اليه دائما بوضع الموسيقى التصويرية فى أفلامه
يذكر ( جورج سادول) فى قاموس السينمائيين عن كمال سليم أنه كان يعرف افلام (رينيه
كلير/مارسيل كارنيه/جان رينوار جوليان دى فيفييه)ويعجب بهم. أنه ظهر ضمن جيل جديد.من
السينمائيين ممن درسوا السينما
فى فرنسا وإيطاليا وألمانيا وعلى رأسهم كمال سليم وهو بالتأكيد على قدر عظيم من الثقافة السينمائية ٠ ومن الغالب جدا أنه شاهد اعمال هؤلاء الفنانين ضمن
حرصه المعروف بمتابعة كل ما هو جديد فى السينما فى زمانه٠
وكما يقول (حان الكسان)من الواضح أن جورج سادول كان يظن أن كمال سليم قد درس السينما فى اوربا والحقيقة أنه لم يتعلم السينما فى الخارج وانما علم نفسه بنفسه عن طريق مشاهدة الأفلام الأجنبية وعن طريق قراءة كتب ومجلات السبنما ٠
عاطفى لابعد الحدود
كانت هذه المعرفة والثقافةوالخبرات الفنية تنصهر فى روحه العاطفية ٠ فهو يوصف.بانه كان عاطفيا فى حياته لابعد الحدود ٠ كما يقول بأن الحب هو وقود الفنان ٠ ولابد للفنان أن يحترق لكى يصنع فنا٠
وعلى الرغم من عشقه للفنانة فاطمة رشدى إلا أن حديث فاطمة شدى عنه بأن حديثها معه فى بداية العمل فى فيلم ( العزيمة ) كان فى الفن فقط ٠
وتضيف وأنه كان حين يتولى تحفيظها الحوار بنفسه ويلقى بكلمات الحب التى تجىء على لسان البطل يتهدج بصوته ويلقى بكلمات الحب بعاطفة إلى أن فاتحنى فى الزواج فلم يسعنى الا القبول أننى كنت معجبة بشخصيته القوية الجذابة وأشعر بالفخر لانى ساتزوج عبقرى السينما كمال سليم بعد عبقرى المسرح الفنان ( عزيز عيد ) ٠
كانت فاطمة رشدى اكبر من كمال سليم بخمس سنوات وكانت اكبر منه شهرة وثروة
لانه كان لا يملك شيئا سوى مرتبه فى الاستوديو الذى كان لا يزيد عن خمسة وعشرين جنبها
ويبدو أنه خرج من حياة فاطمة رشدى بعقدة نفسية !! جعلته يدمن على الشراب ويغرق همومه فى الكأس ولكنه تزوج أيضا من الألمانية( مدام لوتس ) التى كانت تعمل بقسم المونتاج ولكنه عندما احب وتزوج للمرة الثالثة
كان من فتاة صغيرة السن هى ( أميرة امير ) التى اكتشفها وقدمها فى أكثر من بطولة وجعل منها نجمة سينمائية ٠
وعلى الرغم من أنه تزوجها وهو فى أوج شهرته كمخرج إلا أن زواجهما تم وهو لا يملك شيئا بالرغم من أنه استقال من وظيفته باستوديو مصر ٠ وبدأ يعمل لحساب الشركات السينمائية الآخرة بأجر لا يقل عن الثلاثمائة جنيه للفيلم الواحد
وقد صرحت أميرة امير بأنها زارته فى بيته أثناء الخطوبة ولما جاء موعد.العشاء لم يستطع
لم يقدم لها شيئا سوى الخبز والجبن ٠
المؤكد أن كمال سليم كان عاطفيا رغم جديته الصارمة ٠
ومن الطرائف الملفتة فى حياته أنه عندما ذهب وأميرة امير إلى المأذون لعقد قرانهما
رفض كمال أن يعقد المأذون العقد وعندما سألته أميرة لماذا؟
فقال: لانه مش فوتوجونيك٠ مش حلو ٠ وذهبا لماذون اخر وجهه فوتوجونيك٠ فقد.كان عاشقا للجمال والفن فى أى لحظة. اى مكان ٠
احلام نقابية
ويقول الناقد الصحفى ( محمد السيد شوشة) أنه عرفه فى العامين الأخيرين من حياته ورافقه.فى الاستوديوهات أثناء تصوير أفلامه الأخيرة وجمعتهما سهرات بنادى نقابة المهن السينمائية منذ إنشائه فى عام ١٩٤٣ فقد كان أحد.مؤسسيه لانه كان متشعبا بروح النقابة يدعو إلى إعلاء شأن المهنة والعاملين بها وتحسين مستواهم الاجتماعى ٠
وكانت الفكرة المسيطرة عليه فى ذلك الوقت أن تقوم النقابة بإنتاج فيلم سينمائي كبير يشتمل على قصص قصيرة تربطها فكرة واحدة مثل الفيلم الأمريكى الذى عرض فى القاهرة
( قضية مانهاتن ) بطولة تشارلتون بيرتون وكان هدفه من وراء هذه الفكرة أن يشترك فى تمثيله وأخراجه وإعداده للسينما فى جميع مراحله من السيناريو إلى الاخراج جميع السينمائيين بدون مقابل على أن يرصد.دخله كله إلى صندوق النقابة لإعانة المحتاجين من أبناء المهنة فى حالات البطالة والمرض والعجز وذلك قبل صندوق معاشات الفنانين ٠
المراجع :-
١) كمال سليم
( بين أصالة الواقعية
وزيف المظاهر )
بقلم : د ٠ وليد سيف ٠
٢) قصة السينما فى مصر
كتاب الهلال
للكاتب / سعد الدين توفيق ٠
٣) قصة السينما فى العالم
بقلم / ارثر ثابت
ترجمة سعد الدين توفيق ٠
٤). تاريخ السينما العربية
بقلم / جلال الشرقاوى ٠
٥) محمد طلعت حرب
بقلم الهامى حسن ٠
( والى اللقاء مع الجزء الثانى )
مع المخرج : كمال سليم
مخرج الواقعية وزيف المظاهر)
حسنى طلبة
نائب رئيس تحرير جريدة تحيا
مصر حرة