المشهد الثاني..
(التحقيق)
الشيخ صفوت…يكبرنى بعشرة سنوات لكن شهادته المتوسطة وقفت حائلا دون تقدمه الوظيفي فاستقر كصراف خزينة ..دائما يداه مشغولتان..إما بعد النقدية أو بالتسبيح بالسبحة..اعرفه منذ عشرين عاما..اشتهر عنه إدمانه تفحص مؤخرات النساء وبرغم زواجه المبكر ومهما كان تركيزه سواء فى العمل أو التسبيح تراه تلقائيا يختلس نظرات التأمل والتمنى..مما كان يتسبب غالبا فى ظهور مبالغ عجز يدفعها او زيادة فى عهدته..ومع مرور زمن وبخبرتى معه لاحظت أن مبلغ العجز يتناسب طرديا مع حجم المؤخرة المتسببه فيه …اذكر أن أكبر ملبغ دفعه كان خمسة الاف جنيه..إستنتجت حينها بسبب ضخامة المبلغ أنه ليس تأثير مؤثر واحد على الشيخ وانه لن يقل عن ثلاثة(مؤثرات) تصادف تواجدها فى يوم واحد..زميل مخضرم وامين مؤتمن.. لا أشك به لحظة.. ولو كان سارقا لكنت مثله.
سمير…احدث الوافدين واصغرنا سنا..دائما ما أثار اعجابي واستيائى…اندفاعه وكلامه الغير محسوب الذى يصل احيانا لحد التطاول يثير اعصابي..غير أن وسامته و إبتسامته الدائمة وحيويته تضفى على المكان روح الشباب الرائق..أحببته واعتبرته تلميذى الواعد..والده موظف بالمعاش ووالدته ربه منزل..اسرة متوسطة تقترب من الفقر..تزوج منذ عام برغم حداثه تعيينه…فمن اين له بتكاليف الزواج؟رغم حبي له اشتعل شكى تجاهه…يمتلك الغباء ورعونة الشباب لفعلة مثل هذى.
أما عبد الرحيم…فصعيدى منقول من قنا منذ سنوات..بدانته المفرطة وثرثرته التى لا تنتهى جعلته محبوبا منا جميعا…جاء إلى الإسكندرية بعد إلحاح زوجته السكندرية الأصل ثم احب البلد ومحاولته التحدث بلهجتها كانت تثير الضحكات..من عائلة فقيرة فيما علمت ولكنه منذ حوالى العام أجرى لابنه عملية دقيقة كلفته فوق مقدرته..فثار شكى أنه قام بسرقة العجوز بتأثير الحاجه .. اعتاد الناس إثاره دهشتى بما يمكن لهم أن يفعلوه تحت الضغط.
هؤلاء زملائى المتهمين.. احبهم جميعا ويحبوننى..رغم ادعائهم بأننى متقلب المزاج..وبدون اسباب واضحه انقلب لشخص آخر. واحيانا لشرير مؤذى..سمعتهم يتهامسون بذلك..ويقولون أيضا أن سبب محبتهم لى أن اوقات صفائى تعوض تلك التقلبات وتمحوها فلا يبقي لها أثر.
لابد من إجراء تحقيق اليوم وفى اضيق الحدود..العجوز تعرفه.. وان كانت لا ترتدى نظارتها الان فقد كانت ترتديها يوم الحادث ..
ولو أتيح لها الاقتراب من الفاعل بمسافة كافية فلعلها تتذكر..اظن انها ستتذكر..لابد وأن تتذكر…
البومه المحتضره ..غافلت عزرائيل لتفسد يومى.
بعد انتهاء ميعاد الدوام استدعيت كافة الموظفين وعرضت عليهم الموقف.. والحل…سنتجمع كلنا بما فينا النساء فى صالة العملاء.. ونترك الباقى للسيدة العجوز.
تقبلوا الأمر على مضض بعد أن بينت لهم أنه لا يراودنى شك تجاه اى منهم ولكن لأبراء الذمة ودفع الشكوك.
خرجنا والمرأة فى أنتظارنا…شرحت لها زميلتنا نجلاء الصاوى الموقف وأنها تعرضت لحاله نصب ..و لإستبعاد اى منا ستجتمع معنا لتتعرف على الفاعل أو البحث فى اتجاه آخر.
جلسنا فى حلقه واسعة..قامت المراة..اقتربت من سمير واخدت تتفحصه لثوانى واومأت أن.. لا..ثم اقتربت من عبد الرحيم بالمثل…لكنها هذه المره اطالت تفحص ملامحه حتى ظننت بأنها ستتعرفه…حتى قالت:
-لا.
ثم توجهت للأخير وانصرفت عنه بسرعه قائله:
-لا..مش حد فيهم.
رديت فى يأس:
-متاكدة يا حاجه.
نطرت إلى كأنما إنتبهت لوجودى فقط عندما تكلمت وبدا عليها علامات الحيره..سرحت طويلا وكأنها تخاطب كائنا مجهولا….ضيقت عيناها ولم تحول نظرها عنى..ثم بدأت تقترب منى ببطء…وقفت امامى وانحنت حتى كاد وجهها يلامس وجهى…ماذا تريد المجنونه؟
لحظات ثقيله مرت حتى أنشبت يداها فى ملابسي صارخة،:
-إنت…إنت يا بن الحرام اللى اخدت فلوسي..حسبي الله ونعم الوكيل فيك.
خرج زبد من فمها وتقلصت بحركه عنيفة.. ثم تهاوت ساقطه على الأرض…تجمدت أوصالي وتوقف عقلي عن التفكير
وتسمر الجميع بأماكنهم عدا الحاجة صفاء-اكبرنا سنا-التى عكفت على المرأه تربت على وجهها وتدلك خديها وصدرها ثم قربت وجهها من فيها..جست نبضها ..ثم صرخت بانفعال محموم ضاربه صدرها بيدها:
-يا نهار اسود… دى ماتت.
تجمد الحاضرون هلعا…ساد سكون ما قبل عاصفه وسرت فى الهواء نفثات شيطان ..
تناسى الجميع الجثة الملقاة أمامهم…وأحدقت بي سته عشر عينا تحاصرنى بالتساؤلات والاتهامات.. وإلإدانة.
عندئذ….تجلت أمامى الحقيقة كسحابة مظلمة …حلقت فوق رأسي وألقت بي إلى بئر بلا قرار.
يتبع…
الجزء الثالث والاخير (الصندرة)
عدد المشاهدات : 49
مرتبط
زر الذهاب إلى الأعلى