كيف سيطرت أسرة أردوغان على مفاصل الدولة التركية بقانون “الأهل والعشيرة”؟
المستشار / احمد عارف
في البدء لم يتم التخطيط لتكون ذكرى تأسيس حزب العدالة والتنمية الحاكم يوبيلاً فضيًا أو ذهبيًا، ومع هذا أراد القائمون على الحكم في تركيا أن يكون الاحتفال بها عظيمًا، وها هي شبكات التلفاز الحكومية وجدناها وقد أفردت تغطية خاصة لما اعتبرته مسيرة العدالة والتنمية “المظفرة” والتي دخلت عامها الثامن عشر، وكلها إنجازات لا عثرات فيها البتة، اللهم إلا تحريضات المتآمرين المدعومين من خارج ملعون.
وفي أروقة الحزب الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان منذ ذلك الزمن البعيد بدأ الحبور والسعادة ترتسم على الوجوه المشرئـبة فخرًا وافتخارًا، في المقابل بدا واقع المعيشة على النقيض، فالوجوم هو العنوان العريض لغالبية المواطنين؛ نتيجة الأوضاع الضبابية التي تغلف اقتصادهم المنكمش، والذي يُعاني ركودًا أصبح مزمنًا، وكيف لهم أن يفرحوا وبلادهم تحتل المرتبة رقم 101 بين 113 دولة في ترتيب البلدان التي تلتزم الشفافية بتطبيق مبادئ سيادة القانون؟! بعد أن تمكن رئيس الجمهورية أردوغان من تحويل البلاد إلى شركة عائلية يتولى فيها أقاربه والمقربون منه مناصب حساسة، للسيطرة على مفاصل الدولة، كان آخر تلك المشاهد منح إبراهيم أر، نجل خالة أردوغان، عضوية مجلس الدولة من جديد وفقًا لما ذكرته وكالة أنباء الأناضول الرسمية، وقبل هذا القرار الذي نشر في الجريدة الرسمية كان آر مستشارًا لوزير التعليم.
الغريب أنه في الوقت الذي سجلت الموازنة العامة للدولة عجزا بلغ 68.7 مليار ليرة ( 12 مليار دولار) خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري يستعد الرئيس رجب طيب أردوغان لتفقد أعمال إنشاءات قصره الرئاسي الجديد المُقام على مساحة 32 فدانا الشهر الجاري في مدينة بتليس على ساحل بحيرة مدينة “وان” الحدودية مع إيران شرق البلاد ، ضاربا عرض الحائط بقرار قضائي رفض إنشائه بسبب مخالفنه للمادة الخاصة بالاستفادة من السواحل بالدستور التركي.
وتكريسًا لدور”الابن” المتعاظم خصوصًا في الشأن التعليمي التربوى قامت حكومة حزب العدالة والتنمية بتحويل مبلغ مليار و264 مليون ليرة (أي ما يعادل 250 مليون دولار) لصالح وقف “معارف” الذي يديره بلال نجل الرئيس وعدد من أعضاء الحزب الحاكم يأتي هذا بالرغم من تفاقم الأزمات التي تعتصر اقتصاد البلاد في الفترة الأخيرة، ودعوات أردوغان نفسه ورجال نظامه للمواطنين للتقشف وترشيد النفقات. يذكر أن ” الوقف ” معروف عنه تدخله في المنظومة التعليمية، بدلًا من وزارة التعليم، ويعرف أيضًا بأنه وزارة ظل، وسبق ووقع بروتوكولات مع وزارة التعليم، حصل بموجبها على 723 مليون و200 ألف ليرة ( 140 مليون دولار ) خلال أربع سنوات.
ووفقا لمصادر من المعارضة فالحكومة مُصرة على تحويل الأموال لصالح الأوقاف والجمعيات الوهمية التي تديرها عائلة أردوغان ، وأضافت أن حزب الرئيس مرر قانون إنشاء “وقف معارف” ، داخل البرلمان في عام 2016، وكان أول أهدافه الاستيلاء على مدارس حركة الخدمة التابعة للداعية الديني فتح الله جولن المنتشرة في الكثير من دول العالم، والسيطرة عليها ثم استخدامها لنشر أيديولوجية الحزب.
وسبق لتقرير نشرته جريدة ” سوزجو” أن كشف أنشطة مريبة لمنظمات مجتمع مدني تضم مدارس ومساكن طلابية تابعة لحزب العدالة والتنمية وأسرة أردوغان موضحًا أن رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى التي كان يسيطر عليها أردوغان وحزبه حولت العام الماضي مبلغ 847 مليونا و592 ألفا و858 ليرة لصالح تلك المنظمات.
على صعيد متصل قضت الدائرة الثامنة لمحكمة الصلح والجزاء في أنقرة بحظر مواقع بثت تغريدات وأخبار بشأن حصول رئيس وحدة الاتصالات بالرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، وزوجته، فاطمة نور ألتون، على راتبين لكل منهما وبناء على طلب من فخر الدين ألتون، قضت المحكمة بحظر الدخول إلى ستة حسابات مختلفة لاحتمالية إضرار هذه المنشورات بحقوقهم الشخصية والإضرار بسمعة الرئاسة التي يعمل بها ألتون.
وكانت صحيفة ” تايمز” البريطانية وصفت فخر الدين ألتون بـ” أقوى شخصية في بلاط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان” ، عقب تعيينه رئيسًا لمكتب الاتصالات في الرئاسة بعدما كان أستاذًا جامعيًا.
المثير في الأمر أن كشف وقائع الفساد هذه لم تأت من المعارضة فحسب بل من داخل العدالة والتنمية نفسه ومن الأجنحة التي انشقت عنه، إذ استنكر نديم يامالي، القيادي السابق بالعدالة والتنمية هيمنة ” الأسرة الأردوغانية ” على مفاصل الدولة .
واستمرارًا للانتكاسات التي مُني بها ” الحزب الذي لم يعد قائدًا ” أعلن 6 أعضاء بمجلس إدارة بلدية كايا بينار جنوب شرق تركيا التابعة له استقالتهم ، على خلفية قيام رئيس شعبة الحزب بالبلدبة ، تعيين أحد أقاربه بقضاء “باغلار” دون الرجوع إليهم ، وسبق له أن عين عددًا من أقاربه في وظائف وهمية دون أن يذهبوا للعمل، خلال فترة وصايته على البلدية قبل انتخابات المحليات الأخيرة.
من جانبه أكد نائب سابق آخر وهو سلجوق أوزداغ على أن النظام الرئاسي الحقيقي “لا يتم فيه تعيين الأقارب من الدرجة الأولى وزراء كما هو حاصل الآن في تركيا”.
وقبل شهور قليلة شدد الكاتب عبد الرحمن ديليباك ، وهو أحد المقربين لأردوغان على خطورة تنامي الرشوة والصفقات المشبوهة بالمؤسسات الرسمية تحت سمع وبصر القائمين عليها وفي مقاله المعنون “الشيطان يتحدى”، والمنشور بصحيفة “عقد ” الدينية المحافظة تناول ديليباك الأوضاع التي تشهدها بلاده، منوهًا إلى عدد من المبادئ الضرورية التي يجب الالتزام بها دون أن يشير بشكل مباشر إلى الرئيس أو أي مسئول حكومي، وفي مقدمتها تجنب المحسوبية أثناء التوظيف، وذلك بالتركيز على المؤهلات والكفاءة وإسناد العمل لمن هو أهل له ، ثم أنهى مقاله محذرًا “علينا ألا ننسى أننا سنحاسب على أفعالنا، والأفعال التي كان يتوجب علينا فعلها ولم نفعلها، وعن أقوالنا وما كان يتوجب علينا قوله ولم نقله”.