معلق على مشنقة الصباح…لم يشائوا أن يبدؤا يومهم الا بعد إعدامى…الميدان لا يكاد يتسع للحشود المتلهفة للمشهد المنتظر….معلق انا والحبل ملتف حول رقبتى …يداى مقيدتان خلف ظهرى…مكمم الفم…لا اعرف حتى الآن ما هى تهمتى…….لم أكن المتهم الوحيد في تلك المحاكمة….شهدت خمسين متهما غيري…خرج الكل ابرياء…الا انا..وجهت لى اتهامات كثيرة…يعلم الله اننى برئ منها….ويعلم…اننى ارتكبت ما هو أشد وافظع…لكنهم لم يتطرقوا لها…الاغبياء…لو أرادوا الخلاص منى لعثروا على ٱثار الجرائم الحقيقية التى ارتكبتها…عشرات الدنائات…الاف الأكاذيب…لكنهم حاكمونى على هواهم…الشهود من المنافقين والقوادين والخونة…والمحترمين والمبجلين والمؤمنين أكدوا ادانتى..إجماع طرفي النقيض على إتهامى جعل قضيتى محسومة …ما الجريمة؟ كل افعالى شاهدتكم ترتكبونها واكثر…فما الذى يجعلكم افضل منى…تشاهدون الان موتى…تلقون على قمامتكم…تلعنوننى…كل ما فعلته فعلتموه ونجوتم.. جميع الشهود شهدوا ضدى الا مريم…مريم التى خنتها شهدت لصالحى…مريم التى خنتها معها وخنت كل من عرفتهن معها ..دافعت عنى…
اراها الان بين الحشود تحمل طفلها الذى ليس منى تسرى على خديها دمعات الشفقة والوداع..
زوجتى ايضا هنا….تؤجج الحشد ضدى…تلعننى بأفظع اللعنات…تسبنى وتسب امى..اقتحمت المنصة لتبصق على وجهى…..تلقى على بالقاذورات….اقتلوا المجرم…تصيح وتصرخ بجنون…اقتلوا الداعر…ماذا فعلت؟..أخبرها الأطباء أن السرطان ينهش جسدها وان علاجها الوحيد هو الوقوف على قبري لمدة أربع ساعات بعد أن تعفر وجهها بترابه…شهدت أثناء التحقيقات بأنها عاشرتنى عشر سنين لم ترنى خلالها اصلي او افتح مصحفا…طالبت المدعى بإعدام الكافر….وهدفها أن تبرأ من أمراضها …إذبحوه.. هكذا طلبت…لم تذكر طبعا فى اوراق التحقيق أنها هى نفسها قد مارست كل الموبقات من على سجادة الصلاة…وقبل الصلاة…وبعد الصلاة..وأثناء الدعاء..
عشرات الشهود من اصدقائى ومعارفي أيدوا أقوالها و زادوا…مذهل الفارق ما بين رؤيتك لنفسك ورؤية الآخرين لك….لم يكذبوا فى حرف ولكن منظورهم للأمور أدهشني..كأنهم يتحدثون عن شخص ٱخر…لو رأيت نفسك بعيون الٱخرين لإنتحرت او اعتزلت العالم..
فتشوا منزلى…عثروا على جثتى وصور مريم معلقة على الحيطان…لم يكفهم ذلك…لابد من محاكمتى وان يكون موتى مشهودا..الإذلال العلنى لازم فى مثل حالتى..لم يتم استدعاء اهلى للإدلاء بأقوالهم….فالحكم صدر قبل المحاكمة والعطف ليس له مكان…اجمع العصاة المذنبون الأبرياء الجبناء الخطاة الغارقون فى الذنب حتى أنوفهم…أجمعوا بأننى المذنب الوحيد …العالم من حولى برئ وطاهر واننى المتسبب فى فساده..فكان لابد من الموت..لو علمت فقط الأفعال التى احاكم عليها لواجهت مصيري راضيا…لكنهم يقولون بأنها أكثر من أن تحصي.
صعد المدعى إلى المنصة…طالب الجمع بالسكون ولكن الضجيج عالى…بدء يتلوا لائحة الاتهام..تعدت المائتين..لم اميز منها إلا التعالى وعدم إبداء الاحترام الكافى للحمير والبهائم…والتقصير والكذب والخيانة والبذائة ….والتوحد والصمت… و….مريم.
المدعى كان أحد الشهود وهو القاضي..شاهدته عدة مرات يرتكب الفواحش فى نهار رمضان…ولكنا فى جمادى الأولى فلابأس أن يلعب الان دور النقي ويصدر الأحكام…وختم فائلا: -والان ينفذ الحكم على هذا الخارج عن القانون.
اقترب الجلاد منى…احكم ربطة الحبل على عنقى…احكم وثاقى…غطى وجهى بغطاء اسود عدا عيناى..ساد صمت القبور..ارتفعت الايدى بالهواتف المحمولة لتسجيل المشهد المثير ….اختفت الوجوه من امامى او شاهت…. إلا وجه طفل مريم الباسم…يلوح لى مودعا…إنفتحت الهوة من تحتى فسقطت سقوطا حرا للنهاية غير نادما على شئ.
عدد المشاهدات : 47
مرتبط
زر الذهاب إلى الأعلى