ما ضاع حق وراءه فتية أشداء
1ـ صَلَفٌ وغرورٌ ووعدٌ بربريّ !
حرية الإنسان شرعا وقانونا:
“أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون”. لم يخلق الله إمرءا عبثا أو لكي يُضيّعه؛ حتى الزنادقة والملاحدة؛ الذين يُنكرون وجود الله !. بل منح الله الحرية؛ حتى لأن يُكفر به !، ولا عقاب أو جزاء دونما حساب. وإن يعتدي أحد على غيره فمن حق ذلك الغير القصاص؛ مهما كانت مكانة أونفوذ أو سطوة المعتدي، حتى وإن كان المُعتدَى عليه قليل أو عديم الشأن في نظر الآخرين، أو كان شريدا أو طريدا. هذه بالطبع أبسط قواعد العدالة شرعا وقانونا: في سماء الله وأرضه. فما بالك أن تلتهم دولة قوية دولة أخرى مسالمة !.
الغزو العراقيّ، ورِدّة إلى عصر الظلام:
ففي الثالث من أغسطس عام 1990؛ قام الجيش العراقيّ بغزو دولة الكويت، وتمّ الاستيلاء عليها في غضون 48 ساعة، وتمّ ضمّها إلى العراق؛ باعتبارها المحافظة الـ 19 !، سبحان مغيّر الأحوال !، وكأنما ارتددنا إلى عصور الظلام أيام الجاهلية والقرون الوسطى !. وبالطبع رفض العالم هذا الغزو الغاشم؛ أيّا كانت الأسباب لدى الغازي، قامت الدنيا ولم تقعد، وسرعان ما شمّرت أمريكا عن ساعديها، واستصدرت قرارا من مجلس الأمن، ثم تقدمت 34 دولة فى معارك لاستعادة الكويت وطرْد الجيش العراقي؛ بقوات اقتربت من المليون مقاتل؛ أكثر من نصفها من الأمريكان بالإضافة إلى العتاد وآليات الحرب. وبالفعل تم تحرير الكويت فى 26 فبراير 1991؛ بعد حرب استغرقت 72ساعة لا أكثر، واحتلال دام سبعة أشهر إلا سبعة أيام. أيّا كانت دوافع وأهداف المُحرِّر؛ فإنه عملٌ عظيمٌ دون شك: أن تتكاتف الدول لدفع الظلم عن المظلوم، والضرب على يد الظالم ـ حتى لو تكبدت دول الخليج مليارات الدولارات فاتورة الحرب ـ فإنه تصرف إنسانيّ وحضاريّ بكافة المعايير؛ أيّا ما قبع فى النوايا ورسخ في الأذهان.
طغيان وحشيّ، وزندقة “الحيزبون”:
ولنعُد إلى الوراء، وقبل 42 عاما من العدوان على الكويت: حوالى منتصف القرن الماضى، وتحديدا عام 48؛ حين قام اليهود الصهاينة بتنفيذ وعد “بلفور” المشئوم؛ تساندهم إنجلترا وأمريكا وأذنابهما. قصدتُ بالمشئوم كل مِن “بلفور” ووعده؛ هذا الوعد البربريّ: “إنشاء وطن قوميّ لليهود في فلسطين”؛ الذي أصدره في 2 نوفمبر عام 1917، وكان وقتها وزير خارجية بريطانيا. منتهى التبجح والتنطع والغرور !، وكأن الدنيا حيزت لذلك الأهوج لكي يبتدع قرارا ضد الأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية. باختصار: “قانون الغاب”. وقد بدأ تهجير اليهود إلى فلسطين منذ ذلك الحين؛ إلى أن بلغ تعدادهم حوالي نصف مليون يهوديّ عنصريّ عام 48. قرارٌ وحشىّ لسياسى أرعن: ذلك البلفور المأفون ولنهدأ قليلا ونتأمل الوعد معا: “إنشاء وطن قوميّ لليهود في فلسطين”. منتهى التجبر والعربدة والعنجهية؛ بل إرهاب مع سبق الإصرار، وإغتصاب عيانا جهارا نهارا، وكأنها عزبة “أبوه”. وليت توقفت الوحشية عند ذلك الحد، فمنذ عام 48، والاستفزازات اليومية على أشدها، والتوسعات على عينك يا تاجر، والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وفي مقدمتها المسجد الأقصى؛ لدرجة إضرام النار فيه أكثر من مرة، ومحاولة تخريبه وهدمه بشتى الطرق، ناهيك عن قمع وهتك أعراض وقتل أبرياء وبناء مستوطنات وتجريف أراضٍ، وهدم منازل الأهالى، وطردهم والسطو على أرضهم، مما نجم عنه فرار الأهالي وتشريدهم فى دول العالم لاجئين ولائذين فرارا من العنف والقهر وسفك الدماء. هذا غير اعتقال الشباب والأطفال وما يتعرضون له من أساليب القمع والتعذيب في السجون الإسرائيلية، وكل جريمتهم أنهم يدافعوا عن أرضهم وأعراضهم؛ إذ كان الأطفال يزعجون ساستهم أيّما إزعاج؛ حيث اعترفت”جولدا مائيير” قائلة بكل وقاحة وزندقة: “إن أكثر ما يؤرقني هو أن تلد إمرأة فلسطينية مولودا جديدا؛ فأشعر أن جزءا من الحلم الصهيونيّ ينهار، مع ازدياد التناسل الفلسطينيّ”؛ أولئك الأطفال الذين أصابهم الغضب والحزن وعدم الشعور بالأمان. وتفجرت لديهم الرغبة في الأخذ بالثأر والانتقام؛ فلم يجدوا إلا الحجارة سلاحا لمواجهة دبابات العدو الصهيونى ومدافعه وآلياته الحربية . وللمقال بقية .
حمدى عمارة: عضو اتحاد كتاب مصر
Email: [email protected]