شيماء عارف
ما بين مولده فى أكتوبر 1931 ورحيله فى سبتمبر 1993 هناك 62 عاما هى عمر إبداع أفضل من أنجبت الموسيقى العربية وأسطورة التلحين بليغ حمدى الذى لم ينل حقه الذى يليق به كأمهر وأشطر ملحنى العصر الحديث، بل إنه واجه ظلما وإجحافا وحروبا خفية لإيقاف نهر موسيقاه المتدفق، ولم يسلم من “أسافين ومهاميز” أبناء مهنته وشيوخها.
هو الكنز النغمى الذى وضع عبدالحليم حافظ يده عليه منذ أن قدم له لحن “تخونوه” عام 1957 فى فيلم “الوسادة الخالية”، ومن شدة إعجابه بما يقدمه له من ألحان وصفه بأنه أمل مصر فى الموسيقى، وقال عنه موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب: “بليغ موهبة جبارة ربنا ينعم عليه بجمل غنائية عبقرية عندما أريد أن أدندن أجدنى أدندن ألحانه”.
هذا قبل أن يحولا الدفة وتغزو الغيرة الفنية المشروعة قلبيهما نتيجة فيض إبداعه، وأعماله الناجحة، ونديته وإحساسه بحجم تفوقه واعتزازه بفنه، وشعوره بأن موهبته تجعله على قدم المساواة معهما، وهو ما دفع العندليب أن يصفه فيما بعد ب”الإرهاب الفنى”، وقال عنه أيضا: “مشكلته أنه يظن أن تلحينه فريد من نوعه، وأنه سيد الأغنية الحديثة” لمجرد أن تنبه بليغ إلى ضرورة تقديم ألحان لمطربين آخرين، وألا يكون إنتاجه حكرا على مطرب بعينه.
أما عبدالوهاب فكان يوغر صدر الملحنين عليه لغزارة إنتاجه، وتهافت المطربين على موسيقاه، وفيما يبدو أن نية عبدالوهاب لم تكن خالصة عندما أطلق تصريحا قال فيه: “لقد استطاع بليغ أن يحول شخصية كوكب الشرق أم كلثوم، وجعلها تتعامل معه على حسب مزاجه الخاص، فكان يفعل معها ما لم يجرؤ عليه السنباطى أو زكريا أحمد، غير أن أم كلثوم كانت تفطن لمثل هذه “المهاميز”، ولم تقع فى الفخ، وأبت أن تكون سلاحا للقضاء على عبقرى التلحين الصاعد بسرعة الصاروخ، فتجاوزت عن بعض تصرفاته الرعناء، كأن يتأخر عن موعد معها، أو لا يحضر موعدا آخر ويسافر إلى لبنان دون اعتذار، فقد عرفت أم كلثوم أن هذا الشاب الذى يتنفس إبداعا يعيش حياة فوضوية عفويةأو كما كانت تقول عنه محبوبته وسر إلهامه المطربة وردة: إنه شخصية بوهيمية، فتعاملت الست معه من هذا المنطلق لتقدم لنا معه أحلى الروائع الغنائية.
لم تكن الغيرة من بليغ حمدى تقف عند عبدالوهاب وحليم فقط؛ بل إن عددا من الملحنين اتهموه بسرقة لحن “أنساك” ثانى أعماله لكوكب الشرق بعد لقائهما الأول “حب إيه” عام 1960، والذى انتهى من وضع إطاره العام داخل مكتب الفنان الرائع محمد فوزى، إذ لم يتصوروا أن ذاك الشبل تتفتق قريحته اللحنية عن هذا العمل المبهر، فأخرس الألسنة بسلسلة أعماله الخالدة: ظلمنا الحب – كل ليلة وكل يوم – سيرة الحب – بعيد عنك – فات الميعاد- إنا فدائيون – ألف ليلة وليلة – الحب كله – حكم علينا الهوى، وتحقق هذه الأعمال – مع أغنيات: حاول تفتكرنى- زى الهوى – سواح – مداح القمر – موعود – إى دمعة حزن لا – الهوى هوايا – أعز الناس من بين ال29 لحنا التى قدمها للعندليب – أعلى عائد من حق الأداء العلنى من جمعية المؤلفين والناشرين عبر نصف قرن منذ الستينيات وحتى اليوم.
ويأتى فى المرتبة الثانية الموسيقار محمد عبدالوهاب برغم ترأسه الجمعية منذ عام 1955 ولمدة 12شهرا.
وتعرض بليغ فى أوج مجده وعطائه الفنى لمحنة كبرى وظلم بين عام1984 فى قضية انتحار المغربية سميرة مليان، ويتردد أن أياد خبيثة كانت وراء إقصائه عن الساحة ليخرج من مصر بمساعدة شادية وفايدة كامل، ويقضى خمس سنوات بين العواصم الأوروبية حتى يحصل على حكم البراءة ليعود إلى وطنه، غير أن المرض لم يمهله طويلا ليفارقنا فى 1993 جسدا لتبقى أعماله عبر الزمان.
• ليس كل من يلح عليه الإعلام ليتصدر المشهد يصبح بقدرة قادر من النخبة، فإلى الآن لم نفهم ما المقصود من النخبة جاءت ورحلت واختفت غير مأسوف عليها بعد سقوط أقنعتهم، وتغير أجنداتهم السياسية، ولكن للأسف الشديد البضاعة المقدمة حاليا دون المستوى، هم نخب من المتسلقين والكاذبين والمنحرفين، وهؤلاء يمنحوننا الإحساس السلبى بكل ماحولنا لمجرد وجودهم فى المشهد، فإلى من يهمه الأمر أو لمن لايهمه أساسا: انقذونا من هذه الوجوه “البلد مش مستحملة بجد”.
نريد وجوها نسعد بها خلقا وعلما وثقافة ورقيا وتحضرا لنجمل أيامنا ولانزيدها بؤسا، فهل من مجيب؟
• ليبيا الآن على موائد اللئام، وأخطرهم بلطجى أنقرة الذى يحلم بموضع قدم فى بلاد الشمس الدافئة بعد غروبها عن إمبراطوريته التى أذاقت دول وشعوب المنطقة الذل الممزوج بالمؤامرات، وهى السمة المميزة فى السياسة والثقافة التركية.
تركيا تسعى إلى تمزيق ليبيا وتسلح ميليشيات السراج، ليس ليحقق نصرا؛ ولكن لاستمرار الحرب ونزيف الدماء، ويتم ضبط كميات كبيرة من الأسلحة التركية كل يوم، ومعظمها مصنوعة فى إسرائيل، ويعلم أردوغان أن تحرير طرابلس هو المسمار الأخير فى نعش أحلامه.
هناك حصار وحروب وميليشيات وقتل وتنظيمات دينية، وتحول البلد الجميل الذى يتبوأ أجمل المناطق على المتوسط إلى مستنقع للذئاب، والليبيون ينتظرون يوم الخلاص.
• 18 عاما مرت على أعنف وأشرس هجمة إرهابية فى التاريخ الحديث والتى استهدفت الأراضى والأجواء الأمريكية، ولكنها قدمت مبررا بعد ذلك للأمريكيين أنفسهم لغزو دول أخرى، والتدخل فى شئون الغير؛ سواء من خلال الموجة الأولى التى عرفت باسم الحرب على الإرهاب وشملت العراق وأفغانستان، أو من خلال موجة ما يعرف بالربيع العربى.