– اسمك؟
– محمد .
– السن؟
– ٤٦.
(قلتها مستغربا الرقم)
– بتشتكى من ايه؟
– ولا حاجة.
– اومال جاى لىه؟
لم اجب..
– امم..طيب لما بتصحي الصبح بتبقي مدروخ او عندك صداع؟
– لا.
– الم فى الفك؟
– لا.
– ايدك بترتعش؟
– لا
مد يده باصبعين مضمومين وقال:
– طيب شد على صوابعي كده.
فعلت ما طلب وضغطت اصبعيه بقوة..فجلس على كرسيه وسأل:
– فى حاجة زعلتك ف الفترة الأخيرة؟
– حاجات كتير خنقانى.
– بس فى حاجة معينه حصلت زعلتك ؟
– لا انا مبزعلش بسهولة ومش فاكر حاجة معينه.
– بتشوف خيالات.
– كتير.
– لا …مش تخيلات ف دماغك ..بتشوف خيالات كأن حد بيكلمك؟
– اه عادى وبكلمه كمان.
– انت عايش لوحدك؟
– لا.
– مين عايش معاك.
– بابا.-
– ربنا يخليهولك ..عنده كام سنة.
– مات من خمس سنين.
لأول مرة منذ جلست امسك قلمه ودون جملة من اربع عبارات لم اميز فى الورقة المقلوبة الا كلمة ..ضلالات.
– بيتكلم معاك.
– اه.
– ويا تري بتتكلموا ف ايه؟
– حاجات كتير ..من الماضى أو حاجات بتحصل حاليا.
– ياه..وليه بتتكلموا كتير ؟
– علشان مكناش بنتكلم كتير وهوا عايش…انا مبحبش الكلام عامة.
– قولى يا محمد ..اكبر مشكلة فى حياتك ايه؟ يعنى اكتر حاجة بتفكر فيها.
– النسوان.
ابتسم ودون عباره أخرى من كلمة واحدة لم اتبينها.
– متجوز؟
– كنت.
– عندك اولاد؟
– لا.
– طيب وغير حكاية الستات دى ايه اللي شاغلك؟
– احنا جايين الحياة ليه..وايه الفرق بينى وبين الناموسة؟ وهل هى مدركة أنها ناموسة زى ما انا مدرك أن انا انسان؟..الكون الكبير ده اللأنهائى كل ده معمول علشان سكان كوكب واحد؟وهل لو فيه كائنات فى الكواكب الأخرى هيكونوا بيعبدوا ايه او مؤمنين بأيه؟الموت نهايه ولا بداية؟
هل هو العدم فى مقابل الإدراك؟ وايه هو الإدراك؟ انا ادرك الاشياء من منظورى انا وحسب قدرة حواسي لكن هل هي الحقيقة فعلا و…
قاطعنى بإشارة من يده قائلا:
– دى مشاكل كبيرة اوى موجودة فى أذهان ناس كتير.. انا اقصدك انت..انت نفسك عندك مشكلة أساسية شغلاكٕ؟
– لا.
طلب من الممرضة قياس الضغط فأتت بجهازها ربطته حول ذراعى واخدت تضغط…
١٦٠ على ١٠٠
لم افهم فقال :
– ضغطك عالى..والتحاليل بتاعتك مش احسن حاجة.. الكولسترول مرتفع .. والأشعة بتقول أن عندك التهاب شديد ف العصب الخامس وتحاليل الدم فيها ارتفاع فى نسبة سكر..عموما حاجات زى دى متوقعة ف سنك.
– (سنى؟)
– هنقيس الضغط خمس ايام مرتين … الصبح وبالليل علشان نشوف هتحتاج علاج ضغط ولا لا…
فنجان قهوة واحد ف البوم..سادة…ومتتفرجش على شاشة ف اوضة ضلمة…متقعدش لوحدك كتير…حكتبلك نوعين دوا هما بيستخدموا لحاجات كتير منها الاضطرابات النفسية والصرع بس كمان للاعراض اللى عندك ..مش عايزك تقلق لو العلاج مجبش نتيجة هتتحجز ف المصحة اسبوعين بس وتبقي زى الفل.
شردت عدة مرات اثناء حديثة وكأنه يتحدث لشخص آخر…رأيت على الحائط صديق من ايام الطفوله هو من اهدانى سكينا صغيرة خبئتها بين كراريسي للدفاع عن النفس وقت اللزوم..
رايت ف السقف وجه مريم فى لحظات النشوة الاولى..رأيت اخى الأصغر مولودا حديثا بين يدى امى ونحن متحلقين حوله نرقص ونغنى ف سعادة لا نهائية…رأيت اخى خالد البشوش قبل أن ندفنه بشهرين يحدثنى عن مشاكله الزوجية وهو لا يتوقف عن الضحك….رأيتهم فى شكل مصاصى دماء يبتسمون لى.
ناولنى الروشتة وانا تائه وقلق على نفسي كشخص واجه أسوٱ مخاوفه..اندفعت للخارج وصوت الممرضة يتبعنى..
– يا استاذ..حضرتك لسه مكشفتش..الدكتور زمانه جاى.
تجاهلتها وخرجت للشارع فوجدت ابي فى انتظارى…..اشفقت عليه وهو الذى كان يبكي وانا صغير لمجرد دور برد الم بي..نعم ابي كان يفعل ذلك..وقتها اعتبرتها ضعفا لا يليق بالرجال…يالغرورى وتكبري…
الان فقط أدركت أنها كانت لم تكن ضعف رجل بل كانت قوة الحب.
ألقيت نفسي فى حضنه ملتاعا وصرخت شاكيا :
– شفت ..شفت يا بابا ابن الاحبة ده بيقولى ايه.
تناول الروشته واستمع لي مبتسما وانا احكى ما حدث كأنه حلم مزعج.. مزقها مع بقية اثباتات مرضي والقاها تحت قدمى ثم قال:
– سيبك منه ده حمار.
نزلت عبارته بردا وسلاما على قلبي فبرأت مما بي وزال عنى الهم.. وكأنه المسيح..
وضع يده على كتفى وسرنا متسكعين تحت المطر..نخترق الشوراع إلى البيت لنستكمل احاديث الليل.
عدد المشاهدات : 115
مرتبط
زر الذهاب إلى الأعلى