اتقي شر الغريب مرة وشر القريب الف مرة….
أسماء وحيد
إنك قد تحذر من غريب وتراقب ولدك من علاقته بهذا الغريب، الغريب لا يجرؤ في الغالب على دخول بيتك، لكن عندما يكون الداخل قريبًا؛ فماذا تفعل؟
عناصر الخطبة:
1- مكانة الأرحام والأقارب في الدين.
2- الفساد بين الأقارب أساسه ومدى خطورته على بعضهم.
3- المخالطة بين الأقارب دون قيد فساد عريض.
4- نظرة في بعض القضايا الأخلاقية المتفشية.
5- تبني الحسم والمصارحة مع القريب السيئ مع مراعاة المودة.
6- البناء الإيماني والتربوي للأسر مهم لتفادي شر كل ذي شر.
7- أثر الوعظ والبعد عن الاختلاط في التخلص من شر الأقارب.
8- دور التقنية في فساد الواقع وواجب المسلم حيال واقعه.
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار. مكانة الأرحام والأقارب في الدين عباد الله! لقد فرض الله علينا عباداتٍ كثيرة، وأمرنا بأوامر وأوجب علينا واجبات، فمنها ما يتعلق بالعلاقة بيننا وبينه عزَّ وجلَّ، ومنها ما يتعلق بالعلاقة بيننا وبين باقي المخلوقين، وعلى رأس هؤلاء المخلوقين الأقارب وصلة الرحم أمرٌ عظيم. وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء من الآية:1]. وكان من الإفساد في الأرض قطع الأرحام {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22]، ومن الإفساد في الأرض قطع ما أمر الله به أن يوصل. إن أمر الرحم عظيم، وقد اشتق ربنا سبحانه وتعالى للرحم اسمًا من اسمه، وأرضاها بأن يصل من وصلها وأن يقطع من قطعها، وهؤلاء الأرحام هم أقارب الرجل، وأقارب الشخص عمومًا من جهة أبيه وأمه، هؤلاء هم الأرحام الذين تجب صلتهم بحسب القدرة والاستطاعة: بالزيارة، وحسن الكلام، واللين واللطف، والصلة بالمال، والشفاعة الحسنة، والنفع بالجاه، ونحو ذلك من أنواع الصلة، وهذا أمرٌ مستقرٌ معلومٌ في الشرع والفطرة. الفساد بين الأقارب أساسه ومدى خطورته على بعضهم ومع اتساع رقعة الفساد في العالم، وذيوع الشر، وانتشار وسائله، وسقوط الكثيرين في هاوية الرذيلة؛ نال من حول الشخص من أقاربه ما نالهم من هذه المنكرات، ووصل الحال إلى الشكوى من بعض الأقارب فيما يقومون به من أنواع الفساد والوقوع في المنكرات. وهذا الإنسان يريد أن يحافظ على نفسه وعلى زوجته وعلى أولاده وعلى أهله، فيجد أنه يبني من جهة ليخرِّبَ آخرون من الجهة الأخرى، ومن هم الآخرون؟ في عددٍ من الأحيان يكون هؤلاء من أقاربه أو من أقارب زوجته، والوضع حساسٌ وخطير، فإن هؤلاء الأقارب لهم حقوقٌ شرعًا، فكيف يتعامل معهم الآن وقد وصل أذاهم إلى نفسه وأهله وبيته وأولاده وزوجته؟ فما هو الحل؟. عباد الله! خطورة الأقارب أنهم يدخلون البيوت، وندخل بيوتهم، إنهم يخالطوننا ونخالطهم في النزهات والأسفار والأعياد والإجازات والمناسبات. إنك قد تحذر من غريب وتراقب ولدك من علاقته بهذا الغريب، الغريب لا يجرؤ في الغالب على دخول بيتك، لكن عندما يكون الداخل قريبًا؛ فماذا تفعل؟ وقد عرفنا بالتجربة والحس والواقع أن الفساد الذي انتشر اليوم في العالم قد طال القريب والبعيد، وأثر في الجميع، وفي الأسرة الواحدة اليوم يوجد أخ متدين وأخوه فاسق، يوجد شخص داعية إلى الخير، وقريبه اللصيق به داعية إلى الشر، وهذه الحال قديمة. فقد كان ولد نوح كافرًا، وأبو إبراهيم كان كافرًا يصده عن سبيل الله، ونزلت آيات في قضية الموقف من الأقارب والأزواج والزوجات، الصحابة الذين أسلموا والصحابيات نزلت آيات تحدد الموقف من القريب المشرك، من زوجٍ أو زوجة {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10]. وكذلك جاء الأمر بالإحسان إلى صاحب الرحم ولو كان مشركًا {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15]. وكذلك فإن هذا الإحسان لا يعني طاعتهم في معصية الله، فالموقف من القريب إذا كان مشركًا كافرًا واضح، لكنها كثيرًا من الأحوال اليوم قد لا تصل إلى هذه الدرجة في عددٍ من الأسر والبيوت. المخالطة بين الأقارب دون قيد فساد عريض لكن في قضية الفساد، فساد الأخلاق. الفاحشة والرذيلة، السحر، الإيذاء بالسرقة، التخبيب، الإفساد في العلاقات بين الأزواج والزوجات، يفعله بعض الأقارب. ما هو الموقف من هذه الأحوال؟ إننا أمام واقعٍ مؤلم في الحقيقة لأن المسألة فيها مخالطة، يدخلون البيوت، وندخل البيوت على ما فيها، وقد يكون ذلك الآخر والعياذ بالله فاجرًا صاحب رذائل، يشرب الخمر، يتعاطى المخدرات، يتعامل مع السحرة، عنده قنواتٌ من قنوات الفحش والرذيلة في البيت. أولادنا يدخلون عنده هو يدخل بيوتنا، ثم الجوال نقل ما كان موجودًا في الخارج إلى الداخل، فهذه المقاطع أو الصور التي يسمونها إباحية تتبادل حتى في الجلسات العائلية، أولاد عمي، أولادك الصغار، وأولاد خالهم، أولاد عمتهم، وأولاد خالتهم؛ إنهم يختلطون بهم. وإذا كانت الأسنان متقاربة فهم يلعبون سويًا، ويذهبون سويًا، يدخلون سويًا، ويخرجون سويًا. قضية الصحبة قضية خطيرة جدًا، ومن عاشر المفسدين صار منهم. صاحب أخا ثقة تحظى بصحبته *** كالريح آخذة مما تمر به فالطبع مكتسب من كل مصحوب *** نتنًا من النتن أو طيباً من الطيب وهذه المماشاة والمصاحبة إن كانت في الخير أثرت خيرًا، وإن كانت في الشر أثرت شرًا، «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، قال: يحذيك يعني: يعطيك-. تبتاع منه أو تجد منه ريحًا طيبة. ونافخ الكير– الآلة التي ينفخ فيها الحداد- إما أن يحرق ثيابك، أو تجد منه ريحًا خبيثة» (رواه البخاري برقم [1959]، ومسلم برقم [4762]) صرنا في حال نحتاج فيه إلى الانتقاء حتى من بين الأقارب، وندخل بيت من؟ ولا ندخل بيت من. ونسمح لمن بالدخول إلى بيوتنا؟ ولا نسمح لمن. والمسألة فيها حساسية، وقد يكون مثلًا قريبٌ للزوجة فيه ما فيه، أو قريبٌ للزوج فيه ما فيه، وهو إذا أراد منعه ربما غضبت، وهي إذا أرادت منع قريب زوجها ربما غضب، وقد يدري أحد الطرفين عن مساوئ ذلك القريب، ولا يدري الطرف الآخر. فهو يحتار أيخبره؟ أيصارحه؟ ثم نجد الآن جرائم التحرش العظيمة المتكاثرة، المصيبة الكبيرة التي نتج عنها من هتك الأعراض، واستباحة الحرمات، وخرق حِمى القرابة، إنه أمرٌ خطير. وقد أثبتت الدراسات أن كثيرًا من جرائم التحرش هذه تقع على مستوى الأقارب، وهذا أمرٌ متوقع. وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قال عن قريب الزوج الذي هو ليس بمحرم: «إياكم والدخول على النساء». قالوا: أفرأيت الحمو؟. قال: «الحمو الموت» (رواه البخاري برقم [4831] ومسلم برقم [4037]).